كيف يمكننا ممازجة المتناقضات في سياق المعرفة والممارسة؟ سؤال سأجيب عليه بناء على تجربتي الخاصة في الدراسات الاقتصادية في الجامعة وما بعد الجامعة، والتي سبقتها دراسات علمية في الثانوية العامة، اقترنت لديّ بما يمكن أن اسميه المنطق الرياضي الجبري، لكن هذا المنطق الذي يبدو صارماً وعلمياً بامتياز لا يتحرك إلا بقوة الخيال ، ومع الزمن وتراتب الأيام تأكد لي أن الرياضيات ناظم لأحوال العلوم المختلفة من حيث استقامتها على الأرقام والحروف والهيئات والخوارزميات والفراغ والخطوط والدوائر وأنصاف الدوائر، بل كل الممكنات الموجودة المادية منها والميتافيزيقية. وسنجد أن الفنون المختلفة تتقاطع مع الرياضيات تدويناً وقوانين، غير أن الفنون تتّسم بقدر من التخطّي للبرهان الفعلي والشكلي. بالنسبة لي شخصياً تعلمت من الرياضيات المنطق والبرهان العقلي، ومن الاقتصاد النظرة الكلية للظواهر، فيما وجدت في الفنون المختلفة استيعاباً ذوقياً لما سبق، ولكن ضمن إطار من التداني والانزياحات الكامنة في اللاوعي، فإذا كانت القاعدة الرياضية مُجيّرة على استنباط ومناورة على المعلوم مسبقاً، فإن الفن يستخدم هذا المعلوم كمنصة انطلاق نحو المجهول . فالفنان كالطير يعرف من أين ينطلق ولكنه لا يدري كيف سيحلق، وحالما يواصل المتغيرات في الجو عليه أن يتأقلم ليطير ثم يبحث عن منصة هبوط نحو انطلاقة جديدة . [email protected]