الاختبارات، عملية تتكرر مع نهاية كل فصل دراسي، ومع نهاية كل عام دراسي بالنسبة للشهادات العامة، التاسع اساسي والثاني عشر - ثانوي، ومع اقتراب موعد الاختبارات العامة، يدخل الطلبة وأولياء أمورهم في حالة طوارئ واستنفار في وقت واحد، باعتبارها مصيراً يترتب على الحصاد الذي يجنيه الطلبة ومستواه، تحديد مستقبلهم ويحدد ماالمهنة والاختصاص والدور الذي يمكن لكل منهم ان يكون عليه.. ومن ثم فاختبارات الثانوية العامة على نحو خاص، تمثل البوابة التي يتوقف عليها نجاح الطلبة في اجتيازها، نجاحهم في الولوج إلى عالم طموحاتهم والبدء بترجمتها من خلال الالتحاق بالتعليم العالي والجامعي والانخراط في الاختصاص الذي طالما حلموا به، وتخيلوا أنفسهم ممارسين له ولامعين في وسطهم المهني، والاجتماعي، والمعاشي، وغير ذلك. ومن ثم، فالاختبارات تمثل حصاد عملية تعليم وتعلم طويلة وهي بذلك نتيجة واعلان لطبيعة هذا الحصاد، الذي يتشكل بفعل عوامل ومكونات عديدة تتوزع على عناصر العملية التعليمية ومكوناتها المختلفة.. كما تتوزع على مؤسسات اجتماعية وتربوية عديدة، فضلاً عن طبيعة القدرات والاستعدادات العقلية والتكوين التربوي للطالب، وهكذا نصل إلى القول ان العملية الاختبارية لايمكن النظر إليها انها عملية مستقلة عن العوامل والظروف التي احاطت وتحيط بالنظام التعليمي، وتشكل البيئات التعليمية داخل كل مدرسة وتعزز علاقة هذه البيئات بالمحيط الاجتماعي، وتتفاعل معه. ومن هنا وتأسيساً على هذا الفهم، لاينبغي التوجه إلى الاختبارات وتحميلها كافة العلل والاختلالات والاخطاء وجوانب القصور في أداء الطلبة والإدارات المسئولة عن اجراء الاختبارات في مراحلها وخطواتها المختلفة، بقدر ماينبغي بل ويجب التوجه نحو الأسباب التي مثلت الاختبارات وتمثل نتيجة موضوعية ومنطقية لتلك الأسباب وفعلها وتأثير هذا الفعل على العملية التعليمية..ومن الخطوات المهمة، والمطلوب اتخاذها من قبل الحكومة بعامة ووزارة التعليم بخاصة هي : 1- الاقرار بوجود مشكلة محورية ومشكلات أخرى تتوزع على جوانب العملية التعليمية وجوهرها، وصولاً إلى النظام التعليمي بمكوناته المختلفة، ومن ثم فالحاجة ماسة لمعالجة هذه المشكلات وتجاوزها بوصفات نوعية ناجحة. 2- القبول بتقييم وطني محايد لطبيعة ومستوى أداء النظام التعليمي، كنظام والأداء التعليمي التدريسي كعملية تترجم على الواقع مايحدث ويقر داخل النظام التعليمي.. وهذا يتطلب ان تقلع الوزارة عن أن تكون المخططة، والمنفذة، والمقيمة، والحكم النهائي على الأداء وطبيعة الانجاز ومستوى نجاحه في تحقيق الأهداف المتوخاة منه. 3- الاقرار ان الانجازات الكمية ان لم ترافقها انجازات نوعية، تصبح من المعوقات والأسباب الاضافية التي تحول دون تحقيق الارتقاء والتطوير المنشود. 4 الاقرار ان الوزارة لوحدها لايمكن لها ان تأخذ التعليم إلى حيث تطمح، وعليها النزول من الابراج العاجية، وتجاوز الانتقاء لافراد، والاتجاه نحو توسيع قاعدة المشاركة، وجعلها مفتوحة، والعمل على دعوة أهل الاختصاص والخبرة والصلة على نحو دوري ودائم لاطلاعهم على نوايا الوزارة ومواطن النجاح والاخفاق من وجهة نظرها، وطلب فحص هذه النوايا والنتائج وفق منهجية علمية، لاتستهدف اسقاط الواجب وذر الرماد على العيون ومن ثم الاعلان انه تم عمل كذا وكذا، وعملنا كذا وكذا. 5- الاقرار ان الادارة التعليمية والمدرسية بحاجة إلى إعادة نظر، والقيام بغربلة أوضاعها والقائمين عليها، واخضاع ذلك لمعايير الوظيفة والأداء،والعمل في ضوء هذه الغربلة على تنقية الادارة التعليمية بمستوياتها المختلفة مماعلق بها من شخصيات جاءت على حين غفلة أو انها حملت إلى مواقعها بمبررات لاتمت بصلة إلى الوظائف التي يتموضعون عليها.. مع إيلاء اهتمام خاص بالتوجيه، والقائمين على المناهج، والاختبارات، ومعهم ومن قبلهم متخذو القرار التعليمي. 6- الانتقال من الاقرار أن هناك نسبة عالية من المعلمين من ذوي المؤهلات التربوية بمستوى أدنى من الجامعة، بمؤهلات غير تربوية وبمؤهلات بمستوى الثانوية العامة وغير ذلك.. إلى العمل على رفع مستوى تأهيلهم، واخضاعهم لتأهيل تربوي.. وهنا لابد من القول ان الوزارة قد ضمنت ذلك في تشريعاتها ورؤاها التطويرية ولكنها لم تنتقل إلى تحويله إلى واقع معيش، وعلى الرغم من المبادرة الوطنية التي اتخذتها جامعة تعز في هذا المضمار من أكثر من خمس سنوات، إلا أن المبادرة ظلت شأناً يخص الجامعة، ولم تبد الوزارة رغم اشادتها بالتجربة أية نية لدعمها وتعميمها، وهذا أمر مؤسف لا أجد له تفسيراً. 7- تشكيل لجنة تربوية - علمية يناط بها وضع معايير وطنية للتعليم وعلى أساسها توضع معايير لتعميم ووضع الاختبارات، وبمايحقق الترجمة الواعية لماتريده الدولة والمجتمع من التعليم في صناعة التحول وصياغة مساراته في اتجاه انجاز تنمية شاملة حقيقية. تلكم هي مقترحات سجلناها على عجل، وبمايتناسب والمساحة المتاحة في هذه الصحيفة الغراء.. والأمل ان تعقد ندوة وطنية لمناقشة قضايا التعليم ومشكلاته، وبما يسهم في تشخيص الواقع واختلالاته، ووضع الاختبارات في سياقها الموضوعي، وبمايؤدي إلى رسم الصورة الكاملة للتعليم بملامحها وزواياها وأبعادها المختلفة ومع الرؤية العلاجية لها. والله من وراء القصد..