مما لاشك فيه أن للعمرة في شهر رمضان فضائل عدة جعلت الكثير من المسلمين في كل أرجاء المعمورة يتسابقون على تأديتها ابتغاء الأجر والثواب الذي أعده المولى عز وجل لمن يقوم بها مخلصاً النية صادق السريرة نظيف اليد واللسان. وفي بلادنا يحرص الكثير على تأدية هذه الفضيلة السامية في شهر رمضان بأعداد تزيد على ماهو محدد لبلادنا من قبل الأشقاء في المملكة وغالبيتهم من المسئولين والميسورين ورجال المال والأعمال والمشائخ والوجهاء، وتجد القلة القليلة من المواطنين العاديين وذوي الدخل المحدود. وأنا هنا أعجب لحال بعض هؤلاء المعتمرين ممن جعلوا العمرة في رمضان موضة وتقليداً سنوياً يقومون بتأديتها من باب الترف والاستجمام وتغيير الجو، والبعض يزيد فوق ذلك الرغبة في شطب ما اقترف من خطايا وذنوب وآثام طوال العام ليعودوا بعد العمرة وصفحاتهم بيضاء وهكذا دواليك، ولست هنا أنكر عليهم أداء العمرة والإقامة على مقربة من أشرف وأطهر بقعة على هذه البسيطة ولكنني في الأسلوب الذي ينهجونه ويسيرون على هداه فغالبية من يعتمرون لديهم ارتباطات وظيفية وأعمال إدارية مترتبة عليها مصالح شرائح واسعة من الموظفين والمواطنين وسفرهم للعمرة يعيق إنجاز معاملات الناس وخصوصاً أولئك الذين ماتزال المركزية معشعشة في عقولهم وماتزال كل الصلاحيات بأيديهم فهؤلاء الأحرى بهم والواجب عليهم البقاء في الوطن لإنجاز معاملات المواطنين وقضاء حوائجهم ماداموا قد أدوا العمرة في أكثر من عام، وهناك أيضاً من المعتمرين ممن لا يوجد لديهم ارتباطات والتزامات وظيفية ومهام إدارية والذين يحرصون على أداء العمرة كل عام، هؤلاء يعللون ذلك بالطمع في الأجر و الثواب وأنا هنا سأحملهم جميعاً على السلامة وأسلم جدلاً بصدق نواياهم وأسدي لهم النصيحة لوجه الله دالاً لهم على أبواب عدة ومصارف جمة بإمكانهم طرقها وصرف ما يجود به الله عليهم من خير فيها والتي «أشهد الله لهم في ذمتي وعقد رقبتي» بأن الأجر والثواب الذي سيحصلون عليه من ورائها يفوق أضعافاً مضاعفة بإذن الله أجر وثواب العمرة السنوية التقليدية والتي لاتخلو في معظمها من الرياء والسمعة. فلو افترضنا أن أصغر مسئول ينفق خلال عمرته مليون ريال يمني على أقل تقدير رغم أن هنالك من تفوق مصروفاتهم عشرات الملايين وخصوصاً عندما تكون تكاليف العمرة على حساب المؤسسات والجهات التي يديرونها، بالله عليكم لو تم صرف هذا المبلغ على عشر أسر فقيرة فقط بواقع مائة ألف لكل أسرة كمصروف لرمضان وكسوة و «جعالة» العيد، كم سيكون العيد؟ أليس مضاعفاً؟! أعتقد ذلك والعلم عند الله، وكيف لو تم جمع كل هذه المبالغ من هؤلاء وتم صرفها على الأطفال الأيتام ممن يتضورون جوعاً في هذا الشهر الفضيل فهذا هو الإيمان الحق وهنا يعظم الأجر والثواب فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع» فنفى الإيمان عمن لا يتلمّس أحوال جاره، وهناك أناس يأكلون ما تبقى من فضلات الموائد العامرة التي تملأ براميل القمامة التي يرميها هؤلاء المعتمرون طوال العام، هناك مرضى بحاجة إلى قيمة علاج تمنحهم الحياة والصحة والعافية، هناك معسرون يقبعون خلف قضبان السجون لعدم قدرتهم على دفع المبالغ المالية المحكوم عليهم بها، هناك أرامل ونساء يقبعن في منازلهن وهُنَّ في ظروف معيشية صعبة يتأففن أن يمددن أيديهن للآخرين يحتجن لمن يجود عليهن بما أنعم الله عليهم، هناك من الفقراء و المساكين من يذرف الدموع عند مشاهدته للكعبة المشرفة ويغمرهم الشوق واللهفة لزيارتها لولا قلة المال والحيلة، هناك دور ومراكز وجمعيات خيرية تعنى بتقديم الخدمات والرعاية التامة للأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، هناك الكثير بلا مأوى يحتويهم يسكنون الخيام والعشش والأكواخ المصنوعة من «الزنك» وهناك الكثير الكثير من الحالات التي هي في حاجة ماسة للمبالغ الضخمة التي ينفقها المعتمرون ترفاً واستجماماً وموضة في كل عام، وأملي أن يستفيق هؤلاء من غفلتهم ويعملوا على الإقلاع عن العمرة الموسمية وينظروا إلى أبواب ومصارف الخير التي أشرنا إليها فهي أكثر نفعاً وأجراً ومثوبة من عمرة تقليدية لاتترك أي أثر لها في سلوك وأعمال أصحابها عقب العودة من أدائها.