كان لأزمة الرأسمالية الغربية وقعها على العالم المتطور الذي قطع أشواطاً من التقدم التقني علمياً والتقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، أما عالم التخلف فشأنه حيال تلك الأزمة شأن مختلف جداً. أي أن الأزمة تنعكس على ظروفه المعيشية لتزيده معاناة مضافة إلى مجموعة المعاناة التي يعيشها ،ولعل تفاقم الأزمة يعطي عالم الرأسمالية الغربية مؤشراً مهماً إلى سوء استخدامها للثروة أولاً: أي لم توظفها توظيفاً إنسانياً صحيحاً، بل بعض الأحيان استخدمتها في إضرار الآخرين، وثانياً: وقوفها المتعارض حيال قضايا إنسانية في مختلف القارات وقوفاً سلبياً وثالثاً:إشعالها بعض الصراعات التي كانت هامدة في مناطق متعددة من العالم، وافتعالها أزمات سياسية واستراتيجية في كثير من مناطق العالم كالعراق مثلاً وقبله أفغانستان وبعض دول أفريقيا، وأمريكا اللاتينية، ورابعاً: أدارت ظهرها عن حل قضايا فلسطين وبوليفيا وفنزويلا وكوبا، فالأولى فلسطين تتطلب حلاً سياسياً اقتصادياً اجتماعياً والثلاث الآخريات تتطلب حلاً تنموياً يأخذ شكلاً اقتصادياً من أشكال التعاون الإنساني الطويل الأمد، وخامساً:مساهماتها بحروب لا طائل منها، وسادساً:احتكار الرأسمالية الغربية للثروة بشكل فظيع حول أرصدتها الضخمة، إلى مجموعة أزمات من التضخم تارة ومن التباطؤ الاقتصادي تباطؤ النمو تارة أخرى، والإفلاس في خاتمة الأمور لبعض شركاتها ومؤسساتها المالية الضخمة التي لم يكن يتوقع وصولها إلى هذا المآل، ولو كانت الرأسمالية الغربية الولاياتالمتحدة وأوروبا وضعت في اعتبارها أن تلك الثروة يتوجب التصرف بها تصرفاً سليماً وإنسانياً يخدم العالم الغربي وتطوره ونمائه في وقت يخدم عالم الفقر والجهل والأوبئة والتخلف لأسهمت في إيجاد التوازن الإنساني في خلق عالم تسوده العدالة، والمساواة والتقدم، ولكانت تجنبت هذا المأزق المالي الذي وصلت إليه بسبب عوامل كانت هي ممن أسهم في إيجادها وتفاقمها ، ولازالت غير راغبة في السعي إلى تصحيح أخطائها الفادحة، ومحاولة الولوج إلى التغيير المناسب لمنظومة أفعالها السلبية إلى أفعال ايجابية. ومختصر القول: إن الرأسمالية الغربية بحاجة ماسة إلى مراجعة شاملة لقوانينها ونظمها ومعاييرها الأخلاقية والدينية والسياسية والاقتصادية والثقافية، لأنها بحاجة إلى سياسة داخلية في واقعها تكون أكثر عدالة وإنسانية ومساواة وإلى سياسة عالمية جديدة مغايرة لما سبقها منذ عقود من الزمن لازالت تمارسها بأساليب جديدة، وهي أكثر ظلماً وهمجية، وهي بحاجة إلى الإقلاع عن كافة سلبياتها الماضية، وإلى خلق نظام اقتصادي جديد من أسسه العدالة والمساواة والتنمية والتعاون الإنساني السليم من كل شائبة..فبهذا تتفوق حضارياً وبأسلوب إنساني، وتكون عاملاً إنسانياً نافعاً للإنسانية ولعالم التخلف والجهل والفقر والصراع عندما تسهم في انتشاله من براثن التأخر والفقر والحروب، إلى واقع التنمية والتطور.. نقول ذلك ، مدركين أن لنظم العالم العربي والإسلامي واجب الاهتمام بالشعب معيشياً وعلمياً وحضارياً وتسخير الثروات في خدمة التنمية الحضارية ورفع كفاءة المجتمع في صنع التحولات الكبيرة والتقدم للأمام..إذ لا تعفى هذه النظم من القيام بواجبها الوطني والإنساني نحو مجتمعها والإنسانية أيضاً..أي أن تكون من صانعي الازدهار والرقي والنماء. وعليها أن تأخذ دروساً مفيدة من ماضيها ومن تجارب العالم المتقدم من حولها، وتحاول بإمكاناتها استخراج البدائل المجدية لصنع مستقبل زاهر لها..ها هي ثروة الرأسمالية قد كبرت، وتضخمت فآلت لهذا المصير الغريب، بسبب سوء الاستخدام وسوء السياسات الظالمة الاحتكارية وحب الهيمنة، فإذا استمر العالم باجترار هذه السياسة، فإن مصيره سيكون أكثر سوءاً مما هو عليه حالياً..نتمنى أن يتغير سوء الحال إنسانياً إلى درس بليغ يعيد الإنسانية كلها إلى صوابها..إلى إنسانيتها..إلى ضميرها.. قال الشاعر أبوالبقاء الرندي: هي الأمور كما شاهدتها دُول من سرَّه زمنُ ساءته أزمان