كثيراً ما تتسبب أحداث الحياة بخلق أشخاص يسيرون نحو الهاوية دون أن تكون لديهم القدرة على تغيير المسار إلى الحد الذي يشعرون فيه أنهم مُسيرون بل مجبرون على السقوط، وبالنظر إلى حال هؤلاء تتبين لنا أمور كثيرة إن غابت عن العين فهي منحوتة في أعماق القلب.. لكن ما الجدوى من الصراخ إذا سقطوا في غيابة الجُب بعيداً في صحراء مجهولة صوتها الريح.. وأنفاسها الهجير.. ولغة ذراتها السكون.. الأرض دونهم سراب، والسماء فوقهم تراب.. سيوفهم هذه الأقلام الراقصة بين الأصابع.. موطنهم صفحات بيضاء من أوراق القدر.. مسجونون داخل أفكارهم في أقفاص من الحروف.. يغردون باسم الضياع حتى لا يسمعهم إلا الصدى.. يحتفلون كل يوم لأنهم سقطوا عن صهوة العُمر ليقعوا داخل الهاوية.. وكثيراً ما تتسبب أحداث الحياة أيضاً بخلق أشخاص خلاّقين.. إبداعهم سجلٌ حافلٌ بالغرابة والذهول.. وحيثما يكونون تراهم قائمين على رؤوس أقلامهم لينصبوا علم الحرية.. الحرية التي لا تختبئ كلماتها خلف حائط النفاق ولا تتعدى حدودها حتى تخلع عنها سحابة الحياء.. ولا تتواطئ مع غيرها لتشب على الضفاف ناراً بلا دخان.. أولئك الأشخاص لم يخلقوا من أفواه أمهاتهم ولهم آباء أحرار.. تمرغوا على تراب الوطنية حتى جادوا بأغلى ما يملكه البشر، أرواحهم وأموالهم وأولادهم.. سطروا كثيراً من الكلمات لكن ذلك ليس مهماً.. فالكلمات اليوم صارت تباع وتشترى، إنما ما فعله هؤلاء ولم يستطع فعله سواهم أنهم فتحوا أبواب التضحية التي كانت قد أغلقت منذ زمن، وفي كل مجتمع تلقى أولئك الذين يلقون بأنفسهم إلى الهاوية وأولئك الذين يحاولون انتشالهم حتى لا يكونون مثلاً سلبياً لسواهم من المجانين الذين لا يقدرون طعم الحياة ولا يتذوقون نكهة العيش ولا يستطيعون البقاء.. ولا يعنيهم العالم بأسره، طالما ولديهم ذلك الضباب يُغلفُ الحقيقة ويختمها بالشقاء.. أما بين هؤلاء وهؤلاء فتلقانا نحن.. نجدف عبر أفكارنا.. نسترسل في إخفاق القلوب.. نقدم عمراً للأيام كباقة وردٍ على ضريح ... نصوِّبُ سهامنا عن بيت النبال ولا ندري إلى أين.. لكن أرواحنا التي تعشق السير على هذه الأرض ربما تشفعُ لنا حين نموت غداً وقد حرصنا ألا نسقط في الهاوية أو أن نسير عكس التيار..