لا يختلف مسلمان حول تخلف الإعلام الإسلامي، وعدم إدراكه بشكل كامل ضخامة وعظمة الرسالة والحضارة التي ينتمي إليها أو يعبر عنها.. وجهله المدقع بمتطلبات المعركة الحضارية المعاصرة والسباق المعرفي الجارف للكلمة والصورة معاً، وعدم وضوح صورة الصراع الخفي الذي يكاد يعصف بالقيم الدينية والحضارية والإنسانية التي نراهن عليها ونتمسك بها. خطوة إيجابية وضرورية أن تُعقد المؤتمرات لانتشال الإعلام الاسلامي من وضعه الحالي إلى المستويات اللائقة به، ومن ثم البحث عن عوامل النجاح وتجاوز محطات الفشل والتعثر العالقة في مسيرة الإعلام الإسلامي. وستكون المكاشفة الصادقة خير وسيلة للمعالجة، ومن مفردات تلك المكاشفة الصدق في استعراض الأخطاء التي كانت ومازالت وراء الصورة والأفكار المغلوطة والقاتمة والظالمة للاسلام كدين وعقيدة والمسلمين كأمة. مع أن هذه الأمة و- للأسف - تركت وعيها وتفكيرها وصورتها لشبكة من المأزومين والمأجورين وتجار المصالح والمراهقين الجدد، والمتخصصين في ثقافة وتربية وفكر الغرف المغلقة. أمتنا الاسلامية انسحبت إلى مربعات الاسترخاء الحضاري والغياب العلمي والمعرفي، متناسية أنها طرف في معركة حضارية وانسانية لم ولن تنتهي. الإعلام الاسلامي يبدو أنه لم يستوعب بعد عظمة وقيم ومبادئ الرسالة التي يحملها ويربط مصيره بها، لأنه غُيب قسراً من الداخل، مثلما حورب بشراسة ونرجسية مفرطة. أحبط بشكل كبير من قبل الاستبداد المنفوخ والمتورم في وعينا وثقافتنا وليس من قبل الطرف الآخر في الصراع الحضاري. عوامل نهوض وإبداع إعلامنا في البلدان الاسلامية متوافرة، وعناصر التفوق الذاتي موجودة هي الأخرى، وإنما تنقصها الإرادة الذاتية والظروف السياسية والاجتماعية والثقافية المناسبة والملائمة في عمقنا الحضاري والجغرافي. ما يحزن هو أن إعلامنا في البلدان الاسلامية يغرد خارج النسيج العام، لا وجود له في دائرة الفعل والتأثير، محبط بالصراعات والجراحات الداخلية، والاحتراقات التي تنتج عن الصراعات السياسية؛ الأمر الذي أفرغ الإعلام الاسلامي من طاقته وشغله عن أهدافه الكبرى في خدمة أمته ورسالته، وإدارة ميادين الصراع الثقافي والحضاري مع الآخر، وإفساد أسلحته ومشاريعه، والحيلولة دون وصول أفكاره وثقافته إلى الوعي الإسلامي أو التأثير فيه. لابد من معالجة الغياب الحضاري والإبداعي للإعلام الاسلامي وإخراجه من أزمته وسطحيته حتى لا يتحول إلى أداة مسخرة للفوضى العارمة والاستبداد والتسلط، وبوق للتخلف والركود وتمجيد الفرد، ومن ثم تغييب إنسانية الإنسان خلف شبكة الأوهام والمخاوف الكاذبة، وإبقائه أسيراً دائماً داخل الخارطة التاريخية المقفلة. المطلوب تمرد؛ بل ثورة واقعية للإعلام الاسلامي على الرتابة الخانقة والقيود المتشكلة منذ قرون، لأن الإعلام الناضج القوي الحر والمشبع بقيم الرسالة التي ينتمي إليها هو الذي يشكل الوعي الاجتماعي، مثلما أنه يحفر الصورة والفكرة التي جاء الإسلام ليحملها للناس كافة، عندها سيكون قادراً على إحداث التجديد والتغيير المطلوبين في الإنسان، والحضور القوي في السياق الحضاري. فهل إلى ذلك الإعلام المشرف من سبيل؟!.