في مقديشو تشرف على البحر الكبير من علو شاهق، لكنها ويا للغرابة لاتصل بأقدامها إلى البحر إلا عبر جبل من الرمال، فتبدو صورة المشهد البحري الظاهر في الحارة موازية لبحر يغيب في تضاعيف أسوار الرمال الشاهقة التي كانت بمثابة ملعب استثنائي لأولى المواليد في الحارة . كان الأطفال يتدافعون من التلال الرملية، منطلقين صوب التعرجات الحجرية والمساحات البيضاء الرملية التي كانت تسم الحارة بطابع ما قبل التاريخ، والشاهد أن «بلاجه» لم تكن إلا بحراً انحسر وترك كل تفاصيل تفاصيله على اليابسة، لكنه ومع هذا التراجع المليوني تمنطق حالة اخضرار نابعة من أمطار صيفية لا تتوقف، فإذا بالحارة تتسيّج بغابات من أشجار وكائنات وطيور ملونة، وإذا بمعادلة البر والبحر تستحيل إلى تخلقات طبيعية لا متناهية. سُعد مواليد الحارة بهذه الفرادة المكانية، وكان لهم أن يتموضعوا في أساس وتضاعيف التقلبات. هنا عاش «دمدم» أو كبير البهاليل . كانت مبخرة البهلول تنتصب على قمة عود طويل متعرج وممتد لبضعة أمتار إلى أعلى الأفق، وكانت أول عتبة للمبخرة المعلقة في قمة العود بيرق أخضر اللون عليه كتابات بيضاء ناصعة هي مزيج من العربية وهيروغليفيا غامضة تجمع بين أشتات من النصوص الغريبة الملتبسة، تماماً كموشحات «دمدم» التي لا تنتمي للغة مفهومة، والتي كانت أشبه بخليط من الأصوات كتلك التي يطلقها طفل مازال يتهجّى كلماته الأولى.