من الصعب أن تضبط اصابعك على الريمونت لتتحكم بمشاهدة المسلسلات التلفازية الفضائية خلال هذا الشهر الكريم. والأصعب من ضبط الأصابع أن تضبط اعصابك.. فكل مسلسل منها يشدك إلى فكرة أو إلى موضوع ،منه العميق برؤيته ومنه السطحي ،وفيه ما يشير إلى قضية ، وبعضه مجرد لصق مناظر وابراز لمواهب جديدة ليس فيها من الموهبة غير مايفتن النظر ويطلق الشيطان من حبسه!. وعندما تجد نفسك أمام هذا السيل العارم من المسلسلات لاتستطيع أن تقف عند احدها لاتساع موضوعاتها كما اسلفت لكنك بالسليقة ستجد أن ثمة اغتراباً تعيشه المجتمعات العربية التي لاتزال تناقش حتى اليوم البحث عن شقة للسكن أو لقمة للعيش.. بينما تفجعك بعض المسلسلات بهذا البذخ في مشاهدة المنازل الفارهة وصالات الرقص الفخمة وفيها ما لذ وطاب من المأكل والمشرب!.
هذا العام انت لاتجد وضعك العربي الشائك موجوداً على الشاشة الصغيرة حيث ثقافة العنف ومسلسل الإرهاب والمجاعة والاقتتال من المحيط إلى الخليج!. هذا العام انت لاتجد محمود درويش أو نزار قباني أو سميح القاسم ، كما لاتجد الرصاص وقبضة العسكر في دولة الاحتلال الإسرائيلي كما لاتجد النموذج الحي في إثراء قيم النضال والفداء والتضحية ،بل إنك تشاهد احلام السندباد وخيالات «توم كروز» وغيرها من الأفلام التي تمجد الخيال وترمي إلى اتكاء الناس على ما سيأتي من السماء.. مع انها لا تمطر ذهباً ولا فضة..
نشاهد أيضاً الجوائز الرمضانية التي تنزل كالمطر ،ولكنها لا تغيث ملهوفاً أو تروي عطشاً!. فثمة احتيال على البسطاء في زمن تقلصت المسافات وانطوت المراحل التي تفصل بين النصب والنصاب في هذا الشهر الكريم.
إذاً أنت مسحوق تحت طاحونة مسلسلات تزييف الواقع.. وإذا هربت منها فإلى مسلسلات المسابقات التي لاتستطيع منها فكاكاً لكنك كما اسلفت تجد نفسك تحت وطأة الدين والسلف.
هذه الرسالة وصلتني منذ يومين من القارئ عبدالسلام عبدالملك غانم.. الذي طلب إليّ نشرها والتعليق عليها.. وليس ما اقول له بعد نشرها غير أن يخصص جزءاً من هذا الوقت الذي يمضيه أمام الشاشة الصغيرة للتقرب إلى الله بقراءة القرآن والإكثار من العبادات والأذكار وفعل الخير. وكل عام والجميع بخير!