في أفق آخر نقرأ لدرويش نصوصاً دائرية مُبكرة، وهي نصوص تتصّل ببعضها البعض تدويراً كما لو أنها نص موسيقي خُماسي المقام، ثم تصل الكلام بالكلام، فتبدأ متوالية نسقية لتوالد الصور والتعابير التي تخرج من أحشائها الجُملة الشعرية وتتصل بها اتصال الخط بالدائرة .. يقول : قرعت الباب والشباك في ليل الأعاصير على قمر تصلّب في ليالينا فقلت لليلتي دوري وراء البيت والسور فلي وعد مع الكلمات والنور إلى ذلك كشفت كتابات محمود درويش الشعرية والملحمية عن تجويزات تنزاح بموسيقى الشعر صوب قيم درامية مؤثرة مع إمعان في استنطاق جمالية التكرار حيث تبدو اللازمة الوصفية قرينة الرتم الموسيقي التطهري .. يقول في مرثيته البيروتية الباذخة : لم يكن للخبز في يوم من الأيام هذا الملمس الهامس هذا الهاجس الكوني هذا الجوهر الكلي هذا السر هذا السحر هذا الانتقال البشري الفذ من كهف البدايات إلى حرب العصابات إلى بيروت ثم إنه كان من المخطوفين بممارسة الرياضة الذهنية المُتصلة بالكلام، فقد جرّب الكتابة الذهنية التي تتنكّب مشقة تدوير اللغة والبحث عن لطائف المعاني ورقائق البيان، مما تتسع له الرؤى والمقاربات....