الإصرار الذي نلمسه من قبل الدولة بخصوص السير بتجربة الحكم المحلي إلى مرحلة الصلاحيات الواسعة للسلطات المحلية.. أقول إن هذا الإصرار الذي يبدو واضحاً للكثير من المراقبين إنما هو المؤشر الإيجابي الذي يحكي صدق التوجه للقيادة السياسية نحو تثبيت مداميك هذا الانجاز الديمقراطي المتمثل في «الحكم المحلي» الذي وإن كانت التجربة ليست مكتملة بعد إلا أن وصولها إلى «حكم واسع الصلاحيات» سوف يؤدي إلى اكتمال بنيانها النظري والتطبيقي وبما لا يتعارض مع قانون السلطة المحلية أو أية تعديلات سوف تطرأ على بعض بنوده وبما يتوافق والصالح العام. فلماذا هذا الإصرار القيادي والحكومي على السير بتجربة الحكم المحلي إلى ما أشرنا إليه؟. أعتقد جازماً أن أكثر ما يحسب لقيادتنا السياسية ممثلة بشخص فخامة الأخ الرئيس من منجزات عظيمة لا تقل شأناً عن عظمة الإنجاز الوطني الكبير «الوحدة اليمنية» هو «الديمقراطية» كنهج وخيار وسلوك تفردت به اليمن على مستوى المنطقة وبذلت القيادة ولاتزال الكثير من الجهود والدعم المنقطع النظير لترسيخ النهج الديمقراطي في بلادنا وفي مختلف المجالات. ولعل «الحكم المحلي» يحتل الأولوية والاهتمام الكبيرين في ملف التجربة الديمقراطية التي صنعتها إرادة الزعيم وباركتها جموع الشعب اليماني في كل ربوع الوطن لتصبح التجربة منذ إشراق فجرها الوضاء في الثاني والعشرين من مايو90م وحتى اليوم أكثر نضجاً وأكثر ممارسة بوعي رسمي وشعبي ودستوري يسمو بالتجربة إلى مصاف القدرة على مواكبة العصر، وكل ذلك لما يمثله «الحكم المحلي» من أهمية كبرى في نطاق البنيان الديمقراطي العام في بلادنا. باختصار شديد؛ لأن تفعيل تجربة الحكم المحلي هو الجزء الأكبر من مساحة المفهوم الكلي للديمقراطية التي تعني «حكم الشعب نفسه بنفسه» ناهيك عن أن المركزية شكلت عبئاً كبيراً على السلطة في بلادنا سواء على مستوياتها الدنيا أم في إطارها العام، وبتفعيل اللا مركزية يصبح المجتمع أكثر مسئولية عن تنمية نفسه وأكثر استشعاراً بتلك المسئولية. وبلادنا والحمد لله قطعت شوطاً لا بأس به في هذا المضمار وبنجاح كبير على المستوى العام للتجربة، أما على المستوى الجزئي فإن بلادنا في تجربة السلطة المحلية حتى الآن بقدر ما نجحت في تلك المديرية بقدر ما تعثرت في أخرى وبالمثل على مستوى المحافظات. والأسباب على كثرتها ووضوحها إلا أن أهمها في اعتقادي هما سببان: «أولهما»: تأخر انتخابات مدراء العموم للمديريات «رؤساء السلطات المحلية» وهذا ما أثر سلباً في بعض الأماكن بقدر ما أثر إيجاباً في البعض الآخر، وجميعنا يعرف ذلك، ويعرف الأسباب التي يتحمل فيها المدير المعين الجزء الأكبر سلباً أو إيجاباً. فالمديرية «س» حققت نجاحاً تنموياً وخدمياً ملموساً في عهد مديرها العام «ص» ثم ما لبثت أن أصيبت بالركود بعد استبداله بمدير آخر والذي جاء على خلاف سابقه مختلفاً مع أعضاء المجلس المحلي ولا يهمه من شئون المديرية إلا ما يراه هو مهماً.. إلخ، هذه هي لغة العوام في الشارع اليمني بالمديرية خاصة وهي تبرر فشل ونجاح السلطات المحلية. «ثانيهما»: وهو السبب الأهم والذي ندعو هنا إلى معالجة بعض ما يمكن علاجه وهو «قلة الوعي لدى الكثير من أعضاء المجالس المحلية بالمديريات بقانون السلطة المحلية وبمهامهم وبدورهم الذي يجب من موقعهم. لأن هذا السبب هو ما يجعل من السبب الأول المذكور آنفاً يستفحل في شقه السلبي لدرجة يصبح فيها أعضاء المجلس غير قادرين على المشاركة الفاعلة بالرأي أو المشورة. من أجل ذلك فإننا ندعو - وبلادنا مقبلة على مرحلة الحكم المحلي الواسع الصلاحيات - ندعو إلى أن تقوم وزارة الإدارة المحلية بدورات تدريبية وتوعوية لمجاميع أعضاء السلطة المحلية خاصة وقد تمددت فترتهم إلى سنوات قادمة. لأن استمرار جهل بعض الأعضاء حتى بقانون السلطة المحلية سوف يزيد من المعوقات التي تقف في وجه نجاح التجربة في المرحلة القادمة، وهذا العمل التوعوي ليس عيباً خاصة أن الكثيرين منا يعلمون بالظروف التي أجريت فيها الانتخابات المحلية الأخيرة؛ إذ كان التركيز في مجرياتها على أشكال من نحب ترشيحهم أكثر من المضمون وهانحن ندفع ثمن ذلك. وما علينا سوى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من وعي يجب أن يسود مجتمعنا المحلي بشفافية مدعومة بالمنطق السديد والمعرفة الحقة والمعلومة الصحيحة، والشجاع فيها من يعطي التجربة زخماً جديداً في التحدي والعطاء بعيداً عن الفردية التي تفرض الغربة بين أعضاء السلطة ومهامها ومجتمعها، وتؤدي في نهاية المطاف إلى خيبة أمل في التجربة برمتها.. رحمة بأحلام البسطاء في المديريات.