انحدرت الذائقة الفنية إلى مستوى منحط, وخاصة لدى الشباب العربي المتابع, بل اللاهث وراء الأغنية السائدة اليوم, حتى بتنا نعتقد- نحن من تجاوزنا سن الشباب- أن تقييمنا لمستوى الأغنية ومستوى التلقي هو الذي اهتز, نتيجة الكم الهائل والضغط العالي لهذه الأغاني. وقد كان برنامج الاتجاه المعاكس الذي تبثه قناة الجزيرة في حلقته الأخيرة مساء أمس الأول موفقاً إلى حد بعيد في مناقشة هذه المسألة وحول طغيان الفن الهابط وتأثيره على الشباب والاشارة إلى الكم الهائل الذي يتزايد لمن يسموا مجازاً(فنانين) بينما هم لايقدمون سوى(الهشك بشك) حد تعبير مقدم البرنامج. مالفت انتباهي هو جدية موضوع الحلقة والنقاش الراقي البعيد عن صياح الديكة, فموضوع كهذا نادراً مايخضع للنقاش في الفضائيات العربية, بل بالعكس نجد أغلبها تكرس انتاجها الغنائي الذي يعتمد الاثارة والابهار وتقديم النجوم بصورة مبالغ فيها لتخطف عقول وقلوب الشباب. وبعيداً عن النقاش حول ماإذا كان ذلك بأسباب مقصودة أو غير مقصودة أو كانت تلقائية أم موضوعية, فإن قضية كهذه يجب أن تلقى العناية من قبل الجميع وعلى رأسهم النخب.. باستقراء بسيط لطبيعة الموضوعات التي تهتم بها منظمات المجتمع المدني غير الحكومية- ورغم أهمية تلك الموضوعات- نجدها بعيدة كل البعد عن معالجة قضايا الفنون والابداع ومستويات الذوق الفني وعلاقة كل ذلك بالشباب! واسأل: لماذا لايتم استهدافهم من خلال هذه القضايا؟! أليس من المهم أن نعتني بمستوى تذوقهم للفنون وللأغنية بالتحديد التي صارت طاغية على حواسهم- وأليس من المهم تدريبهم وتثقيفهم بكيفية تلقي الأعمال الابداعية؟!.. إن من شأن ذلك أن ينعكس على مجمل حياتهم وتحسين موقفهم من قضايا المجتمع والتحديات التي تعتمل فيه! فلماذا الابتعاد عن مثل هذه الأمور؟! هي دعوة للمنظمات غير الحكومية التي باتت حاضرة بشكل ملحوظ وقادرة على تمويل أنشطة كهذه! مئات العناوين السياسية وماشابهها نجدها تتصدر الندوات وحلقات النقاش والدورات, لكن ولاعنوان واحد تصدرته هذه الأنشطة تتعلق بالفنون ومستويات تلقيها وعلاقة الشباب بها.. لأن أغنية أو رقصة واحدة من(الهشك بشك) ممكن تفسد بلحظات ماتلقّاه الشباب من محاضرات في السياسة والتنمية خلال أيام..