يفتخر الألمان أيّما فخر بنجاحهم الكبير في إعادة الوحدة الألمانية وتدمير ذلك السور البغيض الذي شطر الشعب الألماني إلى شطرين والمسمى سور برلين الرهيب،والذي جعل من ألمانيا طرفي نقيض لأكبر صراع سياسي وفكري ساد العالم بين الرأسمالية والشيوعية وحربها الباردة التي أثرت على كل دول العالم، وجعلت الترقب والحذر هو السائد على علاقاتها بعد انقسامها إلى معسكرين وحلفين متصارعين يبحث كل منهما لإزاحة الآخر والإنفراد بالسيطرة على العالم كصراع ايديولوسياسي شيوعي رأسمالي. في ألمانيا تتضح ملامح ذلك الصراع وتفاصيله وخصوصاً في العاصمة الألمانية برلين، والتي تقاسمتها الدول المنتصرة في الحرب العالمية ودمرها التنافس والصراع الاستعماري بين الدول العظمى وقضى على أكثر من ستين مليون شخص معظمهم من الأبرياء شيوخاً وأطفالاً ونساء، وجعلت من المحيط الجغرافي لمدينة برلين قلعتي صراع شيوعي رأسمالي شرس لتصبح برلين الألمانية العريقة، برلين شرقية شيوعية متزمتة ومنغلقة على ماركسيتها ونظامها الشمولي، وبرلين غربية رأسمالية منفتحة تهيم في الماديات وحرية السوق بنظامها المتعدد الوجوه لمسمى الديمقراطية ولا يفصل بينهما سوى جدار ضيق طويل هو سور برلين. سور برلين الذي لم يره الألمان أبداً مجرد سور حجري بل كان يمثل لهم ولمشاعرهم رمزاً للهزيمة والألم وعنواناً لصراع أفنى طموحات أمة وشعب. وكان في نظر العالم يمثل تلك الشعرة الدقيقة الفاصلة بين العبقرية والجنون التي كثيراً ما يتحدثون عنها ويتمثلونها في فلسفاتهم ولا يرونها.. هكذا كان سكان العالم وشعوبه يتخيلون ويتمثلون سور برلين، فاصلاً دقيقاً من الإسمنت والحجارة، والأسلاك الشائكة تملأه أدوات المراقبة وعيون التجسس، وعلى جانبيه تنتشر ثكنات الحراسة والجيش وآلات الحرب والدمار التابعة لهذا وذاك من طرفي الصراع ومنهم من كان يظنه كشفرة موس حادة تفصل بين الخير والشر. لقد ظل سور برلين في مشاعر وأحاسيس الشعب الألماني تمثيلاً للألم والمعاناة والفرقة والتمزق وتجسيداً لمعاني المهانة والذل التي تعيشها الأمة الألمانية منذ نهاية الحرب الكونية 1945م. اختلافات ومتناقضات، ومتباعدات ومتنافرات تعمقت وتأصلت في كلا الجانبين من سور برلين في الثقافة واللغة والعقيدة والفكر والتاريخ وطرق وأساليب الحياة والتفكير، وغيرها الكثير من العوامل التي زادت من غربة وضياع الألمان عن بعضهم، ورغم كل هذه الظروف الصعبة والقوى العظمى المسيطرة ورغم إسمنت وحجارة ذلك السور الفاصل وأسلاكه الشائكة نجح الألمان في تغيير الواقع المُر الذي يعيشوه ونجحت العزيمة والإصرار وإيمان الألمان بوحدة ألمانيا ووحدة الشعب الألماني في الانتصار لتاريخهم وحضارتهم الواحدة وأزالوا كل تلك الفوارق وأعادوا للشعب الألماني وحدته السياسية والثقافية والتاريخية واجتثوّا ذلك السور البغيض من أساساته وجذوره وأعادوا للأرض الألمانية وحدتها السياسية والجغرافية وعادت برلين قطعة واحدة مطعمة بطموحات وتطلعات الشعب الألماني. ليصنعوا لأنفسهم بصمةً واضحة خالدة في التاريخ الإنساني كصناع أعظم وحدة سياسية وإنسانية في التاريخ الحديث والمعاصر وأصبحوا رمزاً للإصرار والعزيمة والإيمان الإنساني وقدرته على صنع المستحيل وتحقيق أعظم الغايات والتطلعات. وتتجلى العظمة الألمانية في تلك العقلانية والمرونة الهائلة التي تمكنوا بها من امتصاص وتذويب كل تلك المتناقضات الثقافية والاجتماعية والعقائدية والحياتية وغيرها من الخلافات والأحقاد وغيرها من المتناقضات التي كانت سائدة بين المعسكرين الشرقي والغربي واتحاف العالم بأعظم إنجازات الجهد البشري في التاريخ الحديث المتمثل بالوحدة الألمانية والتي لا تضاهيها في الروعة والجمال وعبقرية الإعداد والتخطيط لشكلها ومضمونها إلا وحدة اليمن التاريخية للأرض والإنسان والتي مثلت للعالم البداية الحقيقية لتاريخ أمة وشعب عريق تفيض فضاءاته بالتطلعات والآمال الكبيرة، وجعل العالم بحضاراته وشعوبه يقف إجلالاً واحتراماً ومباركةً أمام عظمة الإنجاز الذي حققه اليمنيون، وبذلك أصبح اليمنيون كباراً وعظماء في عيون العالم كما هم عظماء في تاريخهم وحضارتهم..فهل يعني هذا الكلام شيئاً لكل القوى في الساحة، وهل يدركون عظمة وإعجاز ما تمكن الشعب اليمني من إنجازه في 22مايو1990م، ويكفون كيدهم وعداءهم له والمزايدة عليه ليظلوا كباراً ومحترمين في نظر أنفسهم وفي نظرنا نحن المواطنين حتى نظل كباراً وعظماء في عيون العالم وشعوبه التي ألهبت أكفها من شدة التصفيق والإعجاب بما حققناه؟..