الجزء الخامس تم عقد مؤتمر مصيري في اليابان حول التعريف بالإسلام، حيث اجتمعت في صالة المؤتمرات الضخمة في طوكيو شخصيات يابانية علمية، وسياسية مرموقة، واجتماعية ذات مناصب، ورجال أعمال ورؤساء شركات عملاقة، وبعض الوزراء، ورجال الدين الشنتي والكونفوشيوسي. جلس الكل يستمعون بإنصات بالغ إلى المحاضرات التي يلقيها الوفد الإسلامي القادم من الشرق الأوسط للتعريف بدين الإسلام . إلى أن جاءت المفاجأة... حين تم التعرض لمفهوم قتل المرتد؟ (لنتابع جولات المؤتمر) رئيس الوفد (بصرامة): النص صريح فلو أردت الخروج بعد الدخول قطعنا رقبتك. بالطبع نحن لسنا متعطشين للدماء بقدر إقامة شرع الله. فلا تُقتل فوراً بل هناك عملية استتابة، فإن تُبْتَ عن الكفر تركناك، فإن أبيت إلا ترك الإسلام واعتناق الكفر تقربنا بدمك إلى الله. ياباني من مؤخرة القاعة (بشيء من الاستغراب): ولكن هب أنني تظاهرت بأنني لم أخرج من الإسلام أو تبت حسب مصطلحاتكم وأنا أبطن الكفر، فأنتم حولتموني بهذه الطريقة الى ما هو أقبح من الكفر وهو النفاق، فالمنافق هو كافر مكثف خبيث مختبىء تحت الأرض، ألم يكن أنفع لكم وأجدى أن أُظهر الكفر علناً، بدل أن أخفي النفاق مثل الجمر تحت الرماد، أو الأفعى المتظاهرة بالموت تحمل السم الناقع باللدغ المفاجىء، ونحن حسب التقنية الراقية الموجودة في مختبراتنا الطبية نخاف من الجراثيم المختبئة المعروفة باللاهوائية، والغانغرين فيها لعين للغاية، فهي أخطر بمالا يقارن من الباكتريا التي تعيش في الضوء والهواء وعلى السطح علناً فماذا تقول ياسيدي؟ رئيس الوفد الإسلامي (بإصرار وبشيء من رفع الصوت والحدة): الرأي ليس رأيي كما قلت لك، بل هو رأي رب العالمين، فهذا ما قاله الحديث الصحيح، ثم لم أفهم سبب تركيزك المبالغ فيه على هذه النقطة بالذات، وبهذا القدر من الكثافة، وتغض النظر عن كل محاسن الإسلام التي شرحناها لكم. ياباني آخر من مجلس الدايت (البرلمان الياباني) بقوة ووضوح : السبب بسيط لأن هذه القضية مصيرية ومتعلقة بحرية اعتناق العقيدة التي سُفك لها من دماء البشر ما يعادل الاوقيانوس، حتى حققت البشرية هذا المكسب في حرية الرأي وحرية العقيدة اعتناقاً وتركاً، وبنينا مؤسساتنا الديموقراطية بأنهار من الدموع والعرق، فأنتم بهذا الاتجاه الفظيع قطعتم الطريق أمام حرية الضمير عند الإنسان. ولكن مع هذا يبقى عندي تساؤل في نفس اتجاه النص الذي تتسلح به وتحتكر الحقيقة الأيديولوجية لنفسك، فأنت تقول: إن النص يقول هكذا، ولكن من خلال اطلاعي البسيط على القرآن رأيت أن دينكم واضح في هذه النقطة، فهو يعلن مبدأً عظيماً هو: (لا إكراه في الدين) فهو ينفي كل صور الإكراه والإلزام والضغط والفرض، في أي دين أو مبدأ أو مذهب خروجاً ودخولاً، لأن صور الإكراه متعددة فمنها ما هو الإكراه على اعتناق دين، ومنها الإكراه على عدم ترك أو الخروج من دين فهي صورة إكراه كما ترى. رئيس الوفد (بشيء من التفاخر والاعتداد بالنفس): نعم لا يوجد في ديننا أي إكراه، فنحن لانكره أحداً بالقوة أن يدخل في ديننا، ولكننا نغلق عليه الطريق إذا أراد الخروج. سيدة يابانية من المقدمة : هل اعتبر هذا مثل المصيدة للذي يأتي فيدخل الإسلام، مسموح له بالدخول، ممنوع عليه الخروج، إنها أشبه بالنكتة، أليس في هذا مصادرة للرأي وحرية الاعتقاد، لأن الترك أخو الاعتناق، والخروج صنو الدخول، ولكن ماذا تفعل بهذا النص القرآني الواضح، الذي أعلن هذا الرأي في وقت مبكر من التاريخ الإنساني، قبل أن يعلنه فولتير بصرخته (اسحقوا العار) حينما قال: قد اختلف عنك تماماً بالرأي، ولكنني مستعد أن أموت من أجل أن أدعك تعبِّر عن آرائك، وقبل أن تتبناها الديمواقراطيات الحديثة، ولكنها ربما كفر في نظركم، كما أنني فهمت من قرآنكم أن ما يسمى الجهاد تم تشويه فكرته، فأصبح لفتح البلاد وتدويخ العباد، وليس الدفاع عن المظلومين وحماية الإنسان من أجل التعبير عن رأيه، من خلال إنشاء حلف عالمي لحماية المظلومين والمضطهدين سياسياً، بحيث يهرب كل اللاجئين السياسيين إلى دار الإسلام، وليس أن يأتوا إلينا كما هو الحال اليوم حيث معظم الهاربين السياسيين هم من العالم الإسلامي بحكومات إسلامية وغير إسلامية. فالجهاد لم يشرع عندكم لنشر الإسلام بحال من الأحوال، ولكن من أجل منع الفتنة أي حرية العقيدة والرأي. فهذا النص (لا إكراه في الدين) والنص الآخر الذي لا يقل التماعاً وروعة الذي سحرني أنا اليابانية (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) كما أن الآيات العديدة التي تذكر من آمن ثم كفر أنه لا يقتل حتى ولو دخل وخرج العديد من المرات (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) فهو حسب النص الذي تتسلح به وتحتكر الحقيقة لنفسك، لم يكن بمقدوره أن يكفر للمرة الثانية لو أزهقت روحه أنت وجماعتك بعد كفره في المرة الأولى!