يعد الكاتب الفرنسي ستيفان كورتوا من اليساريين المشهورين، الذي كتب افتتاحية الكتاب الأسود بطريقة مثيرة وحزينة: لقد قتل الشيوعيون مائة مليون إنسان؟! ومما جاء في الكتاب رواية الحارس جريجوري نيازوف عن فرق الإبادة: تبدأ حفلة الإعدام بجرعة مترعة من خمرة الفودكا؟ لعلك تتساءل ياصديقي تابع جريجوري نيازوف ماذا كنا نعمل تماماً وأين؟ قائلاً لمريض القلب المستلقي في السرير المواجه. والكاتب ليو راسجون يسجل قوله كلمة كلمة في الذاكرة: كانت وجبات الإعدام لا تتوقف مع كل صباح. قبل شروق الشمس. نفس المواكب الذليلة المرعوبة تجر أقدامها المتعبة. نفس الوقفة في الطابور لا تعلم مصيرها بالضبط. مازالت تتوقع أن هناك بصيص أمل في الحياة؛ فالمحكوم بالإعدام يبقى على الأمل وهو يقف في مواجهة الحفرة التي سيرمي جسده فيها. نفس الحركة من جنود فرقة الإعدام التي احتست أقداح الفودكا الجاهزة. نفس الطلقات. ويتتابع سقوط الجثث. كان العمل سهلاً لا يتطلب أكثر من ضغط الزناد، والاقتصاد في الطلقات، وشيء من ضبط الأعصاب، الذي لم نعد نحتاج إليه مع طول الممارسة على مدى الشهور الطويلة. لا أعرف على وجه الدقة كم عدد الذين قتلناهم؟ بالتأكيد كانوا آلافاً كثيرة لا تحصى؛ فمع كل صباح كان المئات يودعون الحياة. العجيب أنهم كانوا من رفاقنا الشيوعيين. لماذا كانوا يموتون؟ لا أعرف هكذا كانت الأوامر. البعض لم يمت بطلقة واحدة، فكان لابد من طلقة الرحمة، ويبدو أننا أصبحنا خبراء بأماكن الموت السريع. لعل أفضل الأمكنة هي تفجير الرأس من الخلف؛ فهو أريح للمقتول والقاتل ألاّ يكونان في مواجهة. طلقة الرصاصة في القذال جيدة يبدو أنها تفجر مركز الحياة. لم يعد أحد إلى الحياة ممن فجرنا رؤوسهم من الخلف. كانت مواقف الناس مختلفة. البعض كان يتلقى الموت ساكتاً محتسباً يبدو أنه فكر فيه طويلاً وتنبأ بهذه اللحظة. البعض كان يراها مفاجأة أن يرسل إلى الموت وهو لا يريده فكان يولول ويستغيث ويطلب مقابلة الرفاق المسؤولين أنه لابد خطأً قد حصل. أكثر ما كان يثيرني قتل النساء فكن يملن إلى العويل والبكاء وشد الثياب بإحكام على أجسادهن. كان الحارس القديم يروي ذكرياته من عام 1937 م بعد مرور أربعين عاماً عليها، شاهداً على مناظر الموت في شرق سيبيريا، التي قدرت الدراسة الجديدة الكتاب الأسود عدد الذين تمت تصفيتهم من المعارضة السياسية بثمانمائة ألف من الأنام.. (ولاتحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء)..