من أشهر أنواع الحلوى في اليمن ذلك النوع المعتمد على جذوره التاريخية، وطعمه البلدي جداً والطعم القادم من بين يدي حلواني بارع يلعبُ بكتلة الحلوى، وهي تشتعلُ ناراً وتذوبُ كحمم البراكين في أفواه مُحبيها.. الحلوى اليمنية تاريخ عريق وموروث ثقافي لها أثر نمطي متميز عند الناس ولا يكاد يخلو منزل من (نصف كيلو) من الحلوى الساخنة مع المكسرات يتناولها أفراد العائلة بعد طعام الغداء مباشرة مهما كان نوع طعام الغداء بسيطاً. أتساءل دائماً: لماذا لا تهتم الجهات ذات الاختصاص بإقامة معارض داخل اليمن وخارجه لعرض وتقديم الكثير من أنواع الطعام اليمني؟ وخاصةً الحلوى كبطاقة سياحية، تكون نافذة تعبر من خلالها ثقافة اليمن إلى ثقافات العالم الأخرى محمولةً على بساط الإعلام الناجح، الذي يؤدي دوره بأهلية كاملة ولا يكتفي بالتركيز على تجارة الإعلانات، أو استغلال بعض المناسبات النادرة للترويج لثقافة الوطن اليمني الكبير. وليست الحلوى وحدها من يجب أن توضع على قائمة المأكولات اليمنية السياحية، بل إن هناك أنواعاً من الطعام اليمني، وأصنافاً من المشروبات ذات المنشأ النباتي الممزوج بمواد محسنة طبيعية تستحق أن تحمل على الأكتاف كأواني السقائين في بلاد مجاورة، وأن تقدم في زي مناسب للقادمين إلى اليمن من أولئك الباحثين عن البساطة، والعراقةوالتراث، والجذور الإنسانية المرتبطة بالأرض البكر والسلوك الطبيعي الخام، الذي لم تفسده المواد الحافظة ولم تستهلكهُ تجارة البشرية اليوم. القادمون إلى اليمن يتلذذون بكل ما يرونهُ أو يتذوقونه فترى في أعينهم انبهاراً بالجبال والوديان والمنازل المعلقة على سفوح الجبال كسحائب رمادية مموهة، ومصوغات فضية معتقة وأشكال ملونة من المصوغات اليدوية، ومنولوجات اجتماعية راقصة، تبحث عن الفرح حتى في أعماق الحزن.. المجتمع اليمني من أكرم المجتمعات ومن أكثرها اندماجاً في علاقاته الاجتماعية مع مجتمعات البلدان المجاورة له أو الجاليات المنصهرة في داخله، ذلك لأنه مازال يحمل قيم الخير والتعاون والعطاء، ومازال أيضاً متمسكاً بقيم دينية متميزة، جعلتهُ في مقدمة البلدان المسالمة والداعية إلى السلم.. وبالعودة إلى موضوع الحلوى فأنا أتذكر إحدى الأخوات الخليجيات في زيارة قريبة لها إلى اليمن قالت: تذوقت أرقى أنواع الحلوى في العالم لكني لم أتذوق في حياتي حلوى ساخنة لذيذة بهذا الشكل من قبل، وتسترسل في الوصف: "المكسرات الطازجة والزبيب الذي تلبس بالسكر والهريسة الذائبة داخل الحلوى أعطتها مذاقاً متفرداً، وفي كل مرة سأحرص على أخذ كمية معي إلى بلدي، فقد أحببت هذا الطعم جداً" وأذكر أنه قبل عام وبضعة أشهر كانت قد نُظمت فعالية رمضانية تحمل اسم المسلسل السوري الشهير (باب الحارة) وهي قادمة من سوريا في معرض بسيط لبعض أنواع الحلوى الشرقية الشامية والملبوسات السورية وبعض الإكسسوارات المصنوعة من الفضة والأحجار الكريمة، وكتبت حينها عن هذه الفعالية الجميلة التي لم تغفل حتى عن بيع البليلة أمام باب الخروج في متنزه المسبح، واليوم أسأل: لماذا لا تكون لليمن معارض عالمية متنقلة؟ لا تعرض ما تنتجه المصانع فقط، بل تعرض تلك المصنوعات الفضية والخزفية والقشية، وتلك المأكولات اليمنية الخفيفة والحلوى الساخنة، التي تذوب على نار الانتظار لمتذوقيها، وحتى معصرة السمسم اليمانية ذات الجمل الحائر وهو يدورُ حولها كمن يبحثُ عن نفسه!! أكواب القهوة اليمانية الساخنة في مدخل المعرض وأكواب الشعير المبرد والسوبيا الفاتنة والقديد الصنعاني الغارق في الماء بلا منُقذ.. من منكم لا يتوقُ إلى رؤية أو تذوق كل هذا؟؟!.. لماذا لا يكون لليمن إعلام سياحي لا يخجل من وصف البيئة اليمانية كما هي؟! أتذكر مقولة لأستاذ عراقي قدير كان يقول (هاي موبنت الصحن هاي ست الصحن كُله) إعجاباً منهُ بحلوى بنت الصحن، اقترح ومن حقي الحصول على نسبة نجاح هذا الاقتراح بأن يكون هناك معرض سنوي متنقل دولياً يعرض كل ماسبق بتنسيق دقيق وأنيق وأن يكون اسم الجناح (باب اليمن) على أن يُقام مرة في كل عام داخل اليمن يجتمع فيه كل الباعة المتجولين بأقراص السمسم اللذيذ وحنيذ البطاط والباجيه، التي ألهبها بسباس اليمن فأشعل جوانحها لذة.. وحتى النقش اليماني يجب أن يكون لهُ حضور بين كل ذلك، صدقوني المسألة ليست صعبة، وحب اليمن هو الذي يصنع كل شيء، كل شيء، أعيدوا ترتيب أوراقكم من جديد واكتبوا على وجه الصفحة الأولى اليمن أولاً، وسترون أنكم تبدعون في الترويج لبلادكم بكل ما أوتيتم من قوة، وعندها فقط ستشعرون ما معنى جملة (اليمن أولاً) و(اليمن في قلوبنا)، ولكن كما قلنا سابقاً، أن نجعلها في قلوبنا هذا لا يكفي إنما يجب ان نجعلها في عقولنا ليرتفع إحساسنا بالوطنية أكثر، ودمتم وطنيين مخلصين لله أولاً، ثم للوطن ثانياً ومطيعين لولي الأمر فهذا أمر الدين وكمال الرأي والمشورة.