عندما نتحدث عن النهوض الحضاري وممكنات التطور العام في البنى الفوقية لأي مجتمع تبرز إلى سطح الواقع المعاش مسألة تطور التعليم والدفع به في سلم الأولويات باعتباره الدافع الأول لرقي الشعوب وتطورها. هذه البديهية المعروفة لا تغيب عن تفكير أية دولة أو مؤسسة أو أفراد المجتمع؛ لأنه بالتعليم تتحقق الكثير من المستحيلات التي تقف عادة عند من يجهل أهميته في حياة الشعوب، ولنا عبرة ودروس من الدول التي ترصد ميزانيتها في سبيل تطوير التعليم أسوة بالأمور الحياتية الأخرى. عندما نهضت الكثير من البلدان التي كانت في آخر سلم التعليم وقفزت نحو التقدم في تعزيز بنية التعليم العام أولاً ورصدت الكثير من الإمكانيات كانت النتيجة أن مخرجات التعليم فيها خدمت الكثير من الجوانب سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية وفتحت آفاقاً رحبة نحو رسم معالمها في أذهان الناس جميعاً. وتظل العملية التعليمية ناقصة الأبعاد إذا اقتصرت كتحصيل حاصل دون الدراية بمترتبات نتائجها المقفلة عند روادها؛ حيث ستبرز العديد من المعوقات في طريق السير نحو التقدم. هذا الأمر لابد وأن يضع في الحسبان، خاصة ونحن نرى هذا الخطر يطرق بواباتنا؛ حيث ظل التعليم في بلادنا يسير نحو التراجع المستمر والآليات المعطلة تطحن ما تبقى من أمل في سبيل تطويره، حيث يلاحظ وفي أكثر من مكان أن مخرجات التعليم والتدفق الهائل الذي تضخمه ماكنات التعليم لا يتواكب مع الطموح المنشود. وإلا ماذا يعني هذا السكوت على واقع حال الهيئات التعليمية التي تقوم بالتدريس دون أن يتم تأهيلها وإعادة تأهيلها بما يتواكب مع السرعة الهائلة في عالم التعليم؟ وكيف يمكن أن نطمئن على مستويات أولادنا في ظل عدم وجود مدرس كفء، يخرج من دائرة التعليم التقليدي (التلقين) دون مواكبة الآليات الحديثة في العملية التعليمية، وما الجدوى من وجود مدارس (إنشائية) يخرج منها الطالب في مستوى التعليم العام ولا يدرك الأبجديات المهمة في عطائه الذي يؤهله بأن يتواكب مع التعليم الثانوي؟. هناك طرق حديثة للتعليم مازالت أسيرة التردد من طرق أبوابها نتيجة الاتكالية وعدم الاهتمام في الخوض في عوالمها المفتوحة، حيث العالم الآن يستحدث أساليب جديدة منذ الصفوف الأولى، يتعلم فيها الطالب ويتفوق بمهاراته واهتماماته ومن ثم تتعرف الإدارة المدرسية عن ميول هذا الطالب الذي يوفر له فيما بعد قياس اهتماماته التي تؤهله بأن يكون عنصراً فاعلاً في المجتمع بعيداً عن الأساليب التعليمية التقليدية. أعرف أن هذا الطرف ربما سيواجه إجابات (تعجيزية) من قبل القائمين على أمور التعليم ووضع الكثير من المبررات التي لا يمكن الاقتناع بها في ظل وجود إرادة (عاجزة) لا تستطيع القيام بأي تغيير يخدم العملية التعليمية مع الاعتراف بأن الصعوبات الموجودة لا تسمح بخلق بيئة يتم فيها فرز السلب وتفعيل الإيجاب ومحاولة الإشارة إلى موطن الخلل الذي يرمى على كل الجهات. وبرغم أن ثقل العملية التعليمية هو الأبرز على كل المستويات، إلا أن مواجهة الصعاب لابد وأن يضحي القائمون على التعليم من أجل خلق رسالة تعليمية مكتملة الجوانب باعتبارها الرسالة الأهم في المجتمع. مع التذكير بأن إسهام المجتمع في اكتمال صورة التعليم الصحيح الذي نريد، هو الدفع نحو الإسهام مع الإدارة التعليمية والتربوية لخلق التناسق في جودة التعليم الذي أصبح حجر الزاوية في الكثير من البلدان التي اعتمدت الجودة منذ البدايات التعليمية حتى المستوى الجامعي. وإدراكاً لعدم إهمال المسألة التعليمية والتربوية فإن الزمن الذي نعيشه ونتعايش معه لا يقبل أن يظل التعليم مجرد محصلة، بل المرتكز الرئيس الذي ينطلق منه هو الانطلاق نحو الخلق والإبداع عند المتلقي وليس غير.