سبعة أعوام انقضت ومازال متحف الموروث الشعبي في صنعاء مغلقاً بدعوى أعمال الترميم, وأصبح بوسع الجهات المختصة دخول موسوعة “غينس” بأطول فترة ترميم يستغرقها متحف في العالم, وكأول متحف لا يجد وقتاً مناسباً لبدء الترميم إلا في عام إعلان صنعاء عاصمة للثقافة العربية, ليتجلى بذلك مدى وعي بعض القائمين على إدارة كنوز اليمن التاريخية بقيمة المتحف كإحدى واجهات الهوية الوطنية والعمق الحضاري للبلد!!. على بعد خمسين متراً تقريباً من المتحف المغلق نجد المتحف الوطني اليمني, وهو على النقيض من سابقه تماماً, حيث سخّر له الله إدارة كفؤة ومتفانية في عملها الوطني إلى أبعد الحدود. ففي الوقت الذي كان التراب وقطع البلوك والنفايات تغطي بعض المقتنيات الأثرية في متحف الموروث أثناء الترميم, بادرت إدارة المتحف الوطني إلى حملة توثيق وتسجيل المقتنيات الأثرية لتصبح لكل قطعة بطاقة هوية تحمل أدق بياناتها, وتتيح للبلد في حالة ضياعها أو سرقتها سهولة إعادتها بتعميم بطاقة الهوية دولياً. ولأن عمق الإيمان بالوطن هو من يحدد حجم العلاقة بالآثار, ومدى الاعتزاز بها; لذلك اجتهدت إدارة المتحف الوطني من أجل عرض الآثار اليمنية في متاحف عالمية كان أولها متحف “اللوفر” في باريس ومتحف لندن التاريخي وغيرها. كما تم ترميم قطع نفيسة في الخارج بجانب مئات القطع التي تم ترميمها في الداخل بأيدي كوادر وطنية يمنية استقطبها مدير المتحف الدكتور عبدالعزيز الجنداري. في آخر زيارة للمتحف وقفت مذهولاً أمام “الجنداري” وهو يحدّثني عن أسد برونزي عاد لتوّه من باريس حيث تم ترميمه هناك, وشرح لي كيف أن هذا الأسد يعد من أندر القطع الأثرية اليمنية, ويعود إلى النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد, ويعود لامرأة معينية أهدته للآلهة القتبانية (ذات سنتم) من أجل أن يحفظها وأسرتها من كل سوء, وكان يسرد التفاصيل كما لو أنه يتغزل بابنه العائد من طول غياب. ثم تفاجأت بأن المتحف الوطني عمل هذه المرة على إدخال لغة (برايل) الخاصة بالمكفوفين ليتسنى لهذه الفئة التعرف على آثار البلد وقراءة معلومات تفصيلية عن القطع المعروضة. شيء جميل ورائع أن تعمل إدارات المتاحف على نشر هذه الثقافة حتى بين ذوي الاحتياجات الخاصة, وشيء رائع أن نضع هذه الكنوز في أيدٍ أمينة ومخلصة. ورائع أيضاً أن يقوم الأخ رئيس الجمهورية بزيارة للمتحف الوطني, واعتماد ميزانية تشغيلية, وإهداء المتحف سيارة تعود للملكة فكتوريا كانت قد تجولت فيها خلال زيارتها لعدن إبان الاحتلال البريطاني. أما الأمر غير الرائع فهو أن تتجاهل وسائل إعلامنا الترويج لثقافة ارتياد المتاحف, وتتطرق أيضاً لأوضاعها واحتياجاتها. الأمر الآخر المحبط هو إدارة الهيئة العامة للآثار التي مازالت تعيش خارج الزمن العصري للدولة اليمنية, ففي الوقت الذي تشهد البلد تحولات هائلة نحو اللا مركزية ظلت الهيئة تكرّس مركزية مطلقة, وتحصر كل شيء بيدها وأولها الاعتمادات السنوية المخصصة لكل متحف, وتضييق الإنفاق. وكل ما يهمها هو أن تفاخر بأرقام المبالغ التي تعيدها إلى البنك المركزي نهاية كل سنة, دونما اكتراث أن ذلك على حساب مشاريع وأنشطة المتاحف, وأن الإبداع المهني لا يتحقق في ظل المركزية المطلقة, ومن السخرية أن نتردد في وضع ثقتنا بالآخرين في ذات الوقت الذين بين أيديهم كنوز البلد!. فقد بلغ الشك بنوايا ونزاهة الآخرين أن قامت الهيئة بطرد أساتذة جامعات ومثقفين وإعلاميين من داخل قاعة كانوا ينظمون فيها ندوة حول واقع الآثار تبنتها إحدى الصحف الرسمية وبإذن مسبق من الهيئة, حتى بدا الأمر أن ثمة أسراراً كانوا يخشون من إفشائها في الندوة, كما لو أن قيادة الهيئة لا تعلم بمساحة الشفافية والحريات التي تعيشها اليمن في حياتها الديمقراطية, لدرجة أن التلفزيون الرسمي أصبح يبث مظاهرات للمعارضة.!. لا ندري كيف نغرس حب الوطن في نفوس الأجيال, ونغريهم بزيارة المتاحف ليتعلقوا بالتاريخ إذا كانت الهيئة حتى اليوم لم تبادر إلى نشر إعلان واحد بالتلفزيون أو تتبنى حملة توعية وتوزيع ملصقات ونشرات.. فمن سيقوم بذلك إذن!؟.