يتقطّع القلبُ حسرةً ويتمزقُ ألماً ونحنُ نشاهدُ حالة الاحتقان والمد والجزر التي غيَّمت على المشهد السياسي في بلادنا خلال الأسابيع الأخيرة, وكأن صوت العقل قد اصطدم بالأصوات المنادية بإشعال فتيل الأزمة بين أبناءِ البيت الواحد على الرغم من أن السواد الأعظم من أبناء هذا الشعب ينادون السياسيين بأعلى أصواتهم: “اتقوا الله في بلدكم, دعوا الفوضى والتدمير، لا تدعوا للشيطان عليكم سبيلا”. يا من شهدَ لهم المصطفى عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام بالإيمان والحكمة: هل من الإيمان أن تُباح دماءُ الناس وممتلكاتُهم وأعراضُهم بسبب تباين مواقفكم؟ وهل من الحكمة أن نترك هذا الوطن عُرضةً للأهواء والمماحكات والشطحات بدلاً من أن نكرس قيم المحبة والإخاء والتعاون والسلام ونجعلها السائدة في ربوعه؟ ما الذي دعانا لقطع حبال المودّة والتواصل ونستبدلها بقيم البغضاء والكراهية والحقد والانتقام؟؟ ياعقلاء اليمن: خُطَبُ الجمعة تحوَّلت إلى بياناتٍ سياسيةٍ، والموعظة استُبدلت بالتحريض وإيغار الصدور في كثير من المساجد وأضحى جلبُ المصالح مُقدماً على درءِ المفاسد خلافاً للقاعدة الفقهية، صحفيون يهددون زملاءهم بوضعهم في القائمة السوداء للانتقام منهم بعد أن يتمكن مديروهم من الوصول إلى سدة الحكم ويبشرون بحرية الإمبراطورية الجديدة التي يبدؤون في تشكيلها، رجال أعمالٍ يستخدمون الديكتاتورية “البوشية”: “من ليس معنا فهو ضدنا” بل ويزيدون عليه عندما يتوعّدون كلَّ شخصٍ لم ينظم إلى صفوفهم بالويل والثبور. ياعقلاء اليمن: الحزبية في العالم بأسره تعني التنافس والسباق نحو البناء وتقديم الأفضل للوطن والمواطن، فلماذا نفهمها على أساس الإقصاء والتشهير والعداء؟!.أطفالٌ بعمر الزهور نشاهدهم على شاشات التلفزة وهم يتحدثون عن الرحيل والتوريث، فمتى تشكَّل عندهم هذا الوعي السياسي؟ ولماذا الزج بهم في أتون هذا الصراع المقيت وتعبئتهم تعبئة خاطئة ومشوهة دون النظر إلى العواقب الوخيمة على مستقبلهم بل ومستقبل الوطن برمته؟ وكيف للآخرين أن يصدقونا وهم يرون أطفالنا يشتمون حكامهم بهذا الشكل المغاير لكل قيم الديمقراطية؟ ماذا يجري؟ ولمصلحة مَنْ سفكُ دماء الأبرياء وكل هذا الانحدار نحو الفوضى والعنف؟ لماذا نغطُّ في سُباتٍ عميقٍ، وفجأةً تصحو ضمائرُنا المطلوبُ صحوتُها دائما لنطالب بالتغيير بهذه الصورة التي يعرف العقلاءُ كيف ستكون خاتمتها؟ هل من الدين والقيم والأخلاق أن نترك أناساً يُسقطون خلافاتِهم الشخصية وتبايناتهم الأيديولوجية على مستقبل الوطن والشعب؟ كيف لنا أن نبني وطنا وكلُّ واحدٍ يُعادي أخاه إلى حد القطيعة ويوسع من فجوة الثقة معه إلى حد الكراهية؟.جميعُنا مع التغيير نحو الفضل، وليس مع الهدم والتنافر .. جميعنا ضد الفساد والمفسدين والباطل والمبطلين، نطمح لأن نرى بلدنا شامخاً عزيزاً حراً كريماً تسوده المحبة والسلام والاستقرار وليس الشحناء والتخندق خلف المناطقية ودعوات التفرقة البغيضة.حفظ الله اليمن من كلِّ مكروه، وردَّ كيدَ الكائدين إلى نحورهم وتدميرهم في تدبيرهم، وهدانا جميعاً إلى سواء السبيل إنه على ما يشاء قدير. [email protected]