كما أن أبرز الظواهر الفاسدة تفرد رئيس المرفق الحكومي بالقرار وإمعانه في إلحاق الأذى بمرؤوسيه من العمال والموظفين، فإن الوجه الآخر لهذا الفساد أن تتعطل المؤسسات الحكومية بالاحتجاجات تارة بالحق وأخرى بالباطل. محتجون يطالبون بإقالة رئيس المؤسسة أو المدير العام وإقالة المدير المالي والمدير الإداري ومدير المشتريات، لأنهم حسب اللافتات كوكتيل للنهب والمحسوبية والرشوة وسرقة حقوق الموظفين. وفيما يكون مع هؤلاء المحتجين كل الحق، تجد محتجين في مرفق حكومي آخر، هم عبارة عن مجموعة من الذين فقدوا مصالحهم وليسوا أبداً فوق مستوى الشبهة ويريدون العودة إلى مواقع فسادهم وعبثهم حيث ليس هناك أسهل من ركوب الثورة الفئوية تحت ظلال خيمة. وكما يطالب محتجون عند بوابة مرفق بمحاسبة مسؤول هذا المرفق وإقالته، تتفاجأ بمعتصمين يطالبون بإرجاع مسؤول بعد إقالته، وتسأل فتكتشف أن هؤلاء ليسوا من العاملين في المرفق وإنما جيء بهم من البلاد.. وهكذا يتعطل العمل بين شعارات طلبات الإقالة والرحيل وطلبات البقاء في عملية إيلاج الحق في الباطل وإيلاج الباطل في الحق. وبعد الذي صار ويصير من الأبعاد المطلبية والسياسية والخلفية الاجتماعية الإدارية والقانونية والعبثية، فإن من الضروري التحكم في المعادلة المنفلتة بما يضمن للعاملين حقوقهم ويطيح بالفاسد والعابث، ويبقي على من يستحق البقاء، بعيداً عن وقفات الاحتجاج السلمي وغير السلمي. ولن يتم توضيح الغامض من الملتبس من دعاوى المعتصمين والمحتجين في الذي يسمى ثورات المؤسسات دون وجود محاكم إدارية تنظر في الشكاوى وتنصف المظلوم، دونما شخصنة أو انتقام أو اجترار لمواجهات حزبية تعكس نفسها حتى على العلاقة الإنسانية بين الزملاء. الأمر الآخر لا غنى عن التوافق على قانون واضح ومفصل ينظم الاحتجاجات والاعتصامات ولا ينفذ مناسباتياً أو جزئياً، حسب رغبات الأطراف السياسية أو نزوات الموظفين الأكثر زعيقاً والأعلى صوتاً والأقل إنتاجاً. لقد بلغ السيل الزبا.. وضاقت الأحوال بالاعتصامات الفئوية، حتى صار للظاهرة شريحة كبيرة من الفوضويين المنتفعين أضافوا أوراماً جديدة إلى جسد المؤسسات المتضخم بالعلل والأوجاع والأورام.