عراقيل شتى تواجه التغيير المنشود، في مقابل استنفار أممي للدفع بالتسوية السياسية إلى الأمام بعد أن تعثرت بفعل رفض الرئيس السابق وبقايا نظامه لقرارات رئاسية قضت بتغييرات وتنقلات في إطار القوات المسلحة. وفيما يطل “ الحوار الوطني” كبوابة للبحث في أزمات اليمن وصياغة خارطة طريق تضمن للبلاد الولوج إلى مرحلة من الاستقرار و بناء الدولة المدنية، يعلن شباب الثورة عن مصفوفة من المطالب العاجلة “قبل الخوض في أي حوار يناقش مستقبل اليمن”. وإذ لا غبار على هذه المطالب، فإن المحذور أن تتجه القوى السياسية والاجتماعية للحوار فيما الشباب منشغلون بمطالب التهيئة، مع أني أرى في هذه المطالب برنامجاً يمكن طرحه بالفعل على طاولة الحوار الوطني من خلال مشاركة الشباب في الحوار بل واعتبارهم طرفاً رئيساً فيه.. لقد غيب الشباب عن مفاوضات التسوية السياسية و ما زالوا خارج العملية برغم تضحياتهم الكبيرة التي أدت إلى إسقاط نظام صالح والولوج في مرحلة انتقالية ينتظر أن تفضي إلى توافق وطني عام لا يقتصر على المؤتمر والمشترك، بل يتسع لكافة مكونات وقوى المجتمع وبالذات شباب الثورة. وحتى لا يغيب الشباب مرة أخرى، فالأولى – بنظري- أن يتوافق الشباب أولاً على المطالب التي يطرحونها في الساحات و على آلية تمثيل المكونات الشبابية الثورية في الحوار الوطني، وبحيث يكون “شباب الثورة” الفاعل الرئيس في الحوار و الصوت المرجح عندما يختلف فرقاء السياسة. لا ينبغي التعامل مع الحوار بنوع من التعجيز الذي قد يعود بالبلد إلى نقطة الصفر، وإذا كان صالح وبعض من بقية نظامه ينتظرون خراب المعبد على أصحابه، فلا يجوز للقوى الثورية أن تكون كمن “يخربون بيوتهم بأيديهم ”، فقد جاءت الثورة لإنقاذ اليمن من مأزقها و أزماتها، بيد أن الحلول لا يمكن أن تقتصر على رؤية طرف بعينه، وإلا تحول الحوار إلى نوع من الإملاء الذي عهدناه مع نظام صالح سابقاً. تخيلوا لو أن كل القوى المدعوة للحوار الوطني وضعت شروطاً مسبقة ، ماذا ستكون النتيجة ؟ قد تكون هناك مطالب عامة لتهيئة الجميع للحوار، وهذا الكلام لا غبار عليه، لكن هذه التهيئة ليست مسئولية رئيس الجمهورية و الحكومة فقط، بل كل الأطراف معنية أيضاً، بمن فيهم شباب الثورة الذين كادوا – بانقسامهم – أن يجروا البلد إلى صراعات طائفية نحن في غنى عنها. من واجب كل الأطراف التهيئة للحوار من خلال الاقتصاد في الاتهامات المتبادلة، والحد من دعوات الانتقام، وإثارة النزعات الجهوية والمناطقية، والتعاون مع الشرعية القائمة حتى وإن كان البعض يرى فيها شرعية الأمر الواقع. صحيح أن ثمة أولويات تستدعي إنجازها قبل انطلاق الحوار الوطني، غير أن التوافق على هذه الأولويات بحاجة هي الأخرى إلى حوار. وإذا كان من حق رئيس الجمهورية أن يتخذ القرارات التي يراها مناسبة بحكم منصبه ومسئولياته، فلا ينبغي أن نراهن على المزيد من هذه القرارات، ذلك أنه في الأساس رئيس توافقي ويدير مرحلة انتقالية، وفي مرحلة كهذه فإن كل الأطراف والقوى مسئولة عن التهيئة للحوار، بما في ذلك التهيئة الإعلامية التي يجب على الإعلام العام قبل غيره الاضطلاع بها كمسئولية وطنية تاريخية مقدسة. [email protected]