منذ الميلاد الأول لبزوغ وتشكيل العظمة الكونية، وخلق إبداع نظامها الإلهي الإبداعي الجميل انسجاماً وتناغماً مع إيجاد الثنائي البشري بدءاً بآدم عليه السلام مروراً بخلق كل الكائنات التي تتراءى لنا حتى اليوم، وتسخير كل ما في الكون خدمة للإنسانية قاطبة. خلال هذه الصيرورة وديمومة الحركة الخلاقة والمبدعة للإنسان البشري العاقل شهد العالم القديم والمعاصر نهضة حضارية وثقافية مثلى مكنت الأرض والإنسان من استكمال إعمار الكون، ومواصلة المسار العملي النهضوي الخلاق، والإفادة من ما في باطن الأرض وفوقها خدمة للأمم والشعوب عبر الحقب. استمرت الحركة العمالية بإطراء بشتى مناحيها، وصنوف معطياتها المستمدة من روح وسواعد العمل والعمال باعتبارهم الطليعة في بناء وتشييد الحضارة الإنسانية فكانت الأهرام، وقنوات ري النيل في مصر والعلوم العامة والابتكارات المتسارعة نموذجاً إنسانياً ومصدراً إلهامياً لما تحقق في أرضية العالم الكبير بفعل التلاقح الفكري، والعمالي في أرجاء المعمورة، يتجلى ذلك فيما تحقق على يدي الإنسان من نهضة علمية وعملية وتقنية إبان القرن العشرين من منجزات ومعجزات. الوقائع والأحداث التاريخية تقول إن بلادنا أسهمت إسهاماً فاعلاً في مجال تشييد السدود، وتنظيم قنوات الري، وبناء المدن والقصور والأسوار بطريقة متميزة تتفرد به عن سائر البلدان بفنها المعماري الأصيل والمعاصر بالرغم من تخوف رأس المال من الثورات العمالية إلا أن هذه الشريحة استطاعت أن تقوض الاحتكار والطبقية، ووضعت حداً لعامل الاستغلال لدماء وعرق ودموع العمال بمر الأزمنة.. ورغم الإقصاء المتعمد فإن عمال اليمن شمالاً وجنوباً انبهروا بما كان يدور ويعتمل حولهم، فانطلقوا جاهدين لتشكيل أنفسهم وتأطير النواة الأولى في عدن تحت مسمى الحركة العمالية لأبناء الجنوب المحتل إبان الحكم البريطاني فلم تمر فترة قصيرة حتى قامت القيادات العمالية في الشمال بمحاكاة ما حدث في الجنوب فشكلت هي الأخرى كياناً نقابياً سراً وعلانية إبان نظام الإمام أحمد فجاءت ثمار هذه المنظومة النقابية الثائرة لخطة انبثاق ثورة 26 سبتمبر 1962م التي كانت رديفاً ثورياً قوياً، ساعد على بقاء الثورة التي اختطفت تماماً من قبل حكم العسكر.. المتتبع لسير الأحداث منذ الستينيات حتى اليوم سيتأكد تماماً أن ثورتي سبتمبر وأكتوبر من صنع قيادات الحركة النقابية شمالاً وجنوباً، وإن الالتفاف العسكري على مضامين جوهرها حدث فيما بعد الانحراف الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من إلغاء وتهميش وإقصاء للقوى الثورية والوطنية العمالية صانعة الثورتين.. فانطلقت أولى شرارة الثورة من تعز وتبعتها عدن وكلتاهما ثورتان لفكرة عمالية واحدة. لقد مثلت الثورة البلشفية الروسية الرافعة لحركة المد الثوري للعالم وأثرت بتجربتها الاشتراكية مستقبل الاتحاد الأوروبي، وقضت على المفاهيم والتقاليد القيصرية المتشبثة بالقوانين الإقطاعية التي سارت قروناً ثم بادت، وحينما أصابها داء الانحراف عن المسار التعددي بفعل حكم الحزب الواحد وعدم التجديد والمواكبة انهار الاتحاد السوفيتي على يد جربتشوف عام 1991م.. بينما تعاظمت الثورة الفرنسية، وترسخت جذورها على أرضية الواقع.. والفضل يعود أولاً وأخيراً للحركة العمالية والنقابية باعتبارها نواة الثورات العالمية. في هذا الوطن الذي ابتلي بالأنظمة الديكتاتورية العسكرية أجهضت الحركات العمالية اليمنية، وتعددت أساليب التآمر، والحروب عليها منذ الخمسينيات وحتى اليوم، وكانت ومازالت هذه القاعدة الشعبية صاحبة المصلحة الحقيقية في العمل والإنتاج هدفاً رئيسياً للنظام السابق استخدم بحقها أبشع الممارسات القمعية والإقصائية والتهميشية باعتبارها الأمل الوحيد المطالب بضرورة التغيير الثوري، فاخترقت النقابات العمالية ومعظم الحركات العامة، وأضعفت وكادت تغيب لفترات زمنية طويلة، وجاءت الثورة الفبرايرية عام 2011م لتعيد لهذا الجسد عقله وروحه وانتماءه للأرض والإنسان في ظل هذا الزخم الثوري المستمد من تطلعات الثورة الشبابية الشعبية المسالمة نطرح أمام القيادة السياسية الشرعية افتتاح المجال أمام شتى النقابات الفاعلة والمنتجة لإعادة صياغتها من جديد، وأهم هذه الأهداف المطلبية إيجاد القوانين المنظمة والعادلة بين العمال وأرباب العمل..أسوة بالمجتمعات الأخرى.. وأن ترفع المؤسسات الرسمية يدها عن هذا الكيان المنتج والواسع، والعظيم والمظلوم.. وأن الاهتمام الرسمي بمعالجة أوضاع العمل والعاملين إحدى الركائز الثورية التي من شأنها أن تلبي رغبات وحقوقاً إنسانية وحقوق ومكتسبات عمال بلادنا الثوار الأحرار من خلال إعادة هيكلة وزارة العمل التي لا همّ لها سوى خدمة أرباب العمل ولا تنتمي لا من قريب ولا من بعيد بمضامين ومفاهيم وأهداف النقابة العمالية وبعيدة كل البعد عن هموم ومعاناة هذا القطاع الاجتماعي العريض. تحية أبدية سرمدية لكل عمال العالم أينما كانوا وحلّت بصماتهم الخلاقة والمبدعة.. ونتمنى أن يأتي عام 2013م وقد تحقق لجماهير أمتنا أهدافها في الثورة والحرية والعدل وإزالة الحواجز الطبقية بين أفراد المجتمع.