قد لا يكون من المفيد الاسترسال في وظائف النقود والمشاكل التي قد تترتب على الاخلال ببعض الاجراءات المتصلة بها وعلاقة ذلك بالمشاكل و الازمات الاقتصادية وتأجيل ذلك الى وقت آخر بهدف مناقشة تطورات اقتصادية تاريخية تأثرت و اثرت في النقود. و اقصد بذلك موضوعات مهمة مثل السوق والتجارة. وفي هذا الإطار فإنه ابتداء ان هناك علاقة وثيقة بين السوق والنقود. فلولا هذه العلاقة لما وجد السوق و بالتالي لما وجدت النقود. فهذه العلاقة من وجهة نظري هي علاقة تلازم قبل ان تكون علاقة سبب و نتيجة. فمن ناحية فإنه لا يمكن تفسير التطورات التي حدثت تاريخيا لا يمكن ان تفهم في ظل الاقتصار فقط على العلاقات السببية و انما يمكن فهمها اذا تم الاخذ بعين الاعتبار العلاقتين اي العلاقات التلازمية والعلاقات السببية. فالسوق في البداية كان هو المكان الذي يجتمع فيه من يرغب في مبادلة سلع يملكها لا يرغب في استهلاكها بسلع يرغب في استهلاكها و هي مملوكة لغيره الذي يحتمل ان يكون يعاني من نفس المشكلة. و بذلك فقد كان السوق هو عبارة عن التقاء العارضين و المستهلكين. و في البداية فإن كل عرض هو في حقيقة الامر مستهلك. و قد ترتب على ذلك ان الاختلاف بين نوع السلع و مقدارها المعروضة و المستهلك ان استخدمت النقود لحل هذه المشكلة. فالعارض في هذه الحالة لا يتطلب ان يكون مستهلكا اذ انه قد يبيع ما لديه من سلع و يحتفظ بثمنها نقدا حتى يوفر من تكاليف حفظ السلع التي سيشتريها اذا كان لا يحتاجها في الحال الى فترة زمنية اخرى. و عندما يحتاج هذه السلع فإنه يستطيع ان يذهب الى السوق و لا يصطحب اي سلع لمبادلتها وان يصطحب قيمة السلع التي باعها من قبل.. وكما هو واضح فإن النقود قد طورت و حسنت من وظائف السوق و ان السوق قد طور وحسن من وظائف النقود. فمن وجهة نظر السوق فإن عدد مرتاديه قد ازداد لانه لم يتوجب على مرتاديه ان يكونوا عارضين و مستهلكين في نفس الوقت فقد يكون بعضهم عارض و البعض الآخر مستهلك. لكن في نفس الوقت فإن العارض عليه ان يقبل بالثمن و ان المستهلك لا بد وان يملك الثمن. ومن وجهة نظر النقود فإنها قد اصبحت متطلباً ضرورياً للذهاب الى السوق. فإن لم يكن لديك نقود و لا سلع فإن ذهابك الى السوق مساويا لعدمه فاذا ذهبت فاضيا فانك ستخرج منه فاضيا. فقط تستطيع ان تستمتع بما قد تراه او تحصل على معلومات على حجم و نوع السلع المتوفرة واسعارها. وعلى الرغم من ذلك فإن هذه المعلومات اصبحت مع الزمن ذات فائدة. فبدلا من تخمين قيمة السلع التي تريد ان تبيعها او ان تشتريها و بالتالي فقد تجد نفسك اما مضطراً لحمل سلع او نقود اكبر مما تحتاج او العكس. و ما من شك ان كلا الحالتين مزعجة لكل من يرغب بالذهاب الى السوق. فحمل سلع اكبر من الضروري متعب. و توفير مبلغ من النقود اكبر او اقل مما ينبغي شاق. اما اذا تمكن مرتادوا الاسوق ان يحصلوا على فكرة اولية لما ينبغي عليهم ان يحملوه من السلع للبيع او على مقدار النقود الكافية للشراء فإن وضعه سيكون افضل. لقد ترتب على ذلك ان اصبحت معلومات السوق مهمة في كل من الانتاج و التوزيع و الاستهلاك. و ما كان ذلك ليحدث لولا ان النقود لعبت وظيفة اخرى غير وظيفة وسيط المبادلة. اي ان النقود اصبحت وسيلة للحساب. فالشخص بواسطة النقود يستطيع ان يحسب ايراداته المتوقعة من عرضه للسلع في السوق. و بالتالي فإنه يستطيع ان يرتب التزاماته تجاه الغير وفقا لذلك. فهو من خلال السوق يحول سلعه الى نقود. وهو في نفس الوقت يستطيع ان يواجه التزاماته من خلال النقود لانها قد حددت بواسطة ذلك. بل انه قد ترتب على التفاعل بين السوق والنقود ان يتم تأجيل الالتزامات المالية سواء تلك التي ترتبت على بيع السلع والخدمات او تلك التي ترتبت على شرائها و ذلك من خلال المداينة. فالعارض قد قبل ببيع سلعه ويؤجل الحصول على ثمنها حالا اذا كان سيترتب على عدم القبول بذلك ان يعود بسلعه الى مقره و ما قد يترتب على ذلك من مشقة. فاذا ما وافق علي بيع السلعة مؤجلا على الاقل سوف لن ينشغل بمهمة نقلها من السوق الى المقر و العكس وكذلك هم الحصول على مشتر في المستقبل. فسيبقى فقط هم الحصول على الثمن ولا شك ان ذلك افضل من تحمل الهموم الاخرى. وكذلك فإن من يتوقع الحصول على نقود في المستقبل ولكنه يحتاج الى سلع الآن ليستهلكها فإن من مصلحته ان يحصل على هذه السلع الان مقابل الالتزام بدفع ثمنها في المستقبل. فالنقود قد مكنته من ذلك لأن ما سيلتزم به لصالح السلع التي يرغب بها هو مقدار من النقود معروفة و محددة مسبقا و لا شك ان ذلك اسهل من الالتزام بتسديد التزاماته من خلال سلع معينة قد لا تتوفر في المستقبل او قد تتوفر و لكن بأسعار كبيرة غير متوقعة. وفي كلا الحالين فإن تبادل السلع على هذا النحو يحتاج الى النقود كشرط ضروري و لكن ذلك لا يمثل الشرط الكافي. فقد لا يرغب صاحب السلع تبادلها بهذه الطريقة لو لم تتوفر لديه ضمانات بأن من اشترى سلعه دينا سيفي بالتزاماته في الوقت المحدد. وفي هذه الحالة فإن سمعة هذا مهمة لتوفير هذه الثقة. و اذا لم تكون له سمعة جيدة او سمعة من اي نوع فإن عليه ان يستعين بمن لديه سمعة طيبة لضمانه. هذا من ناحية و من ناحية اخرى فإنه لا بد و ان يكون من المتوقع ان تظل قيمة النقود ثابتة خلال هذه الفترة. و عندما تم توفير هذه الشروط فإن النقود قامت بوظائف جديدة هي وسيلة لدفع الدين ووسيلة لتخزين القيمة. ومن المهم ان نشير هنا ان ذلك لم يتحقق بشكل واسع على ارض الواقع الا بعد ان أمّن ذلك اشخاص في السوق كانوا يقومون بضمان من يحتاج الى ضمان و كذلك حصولهم على وسائل لإجبار الممتنعين عن الوفاء بالالتزامات التي عليهم بالوقت المحدد. ولا شك ان ذلك مثل اول وظيفة للدولة. في البداية قام بهذه الوظيفة اشخاص منفردين يستندون إما الى عصبية او اي خصائص معينة و بعد ذلك تم استخدام الدين والإله القادر لضمان ذلك و في نهاية الامر قامت الدولة بذلك.