إن بشار الأسد ينتحر كما لم يفعل غيره من طغاة العالم في التاريخ القديم والجديد؛ فقد سيطرته على نفسه وفقد وعيه كلما انشق عنه كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين؛ إما بالانضمام إلى الثوار أو الهروب إلى الدول المجاورة، رغم الحصار والمراقبة على الحدود والمعابر بين سوريا والدول المجاورة. فكلما تعاظم الرفض القاطع له وهتفت الجماهير بإسقاطه من بين أنقاض بيوتهم التي تضرب بالأسلحة الثقيلة؛ بهدف القضاء على المقاتلين تحت لواء الجيش الحر، كلما اشتد أواره وطفح غضبه بما تبقى له من أسلحة؛ فيدمر كل شيء، ويزهق النفوس البريئة من أطفال ونساء ورجال، ويمنع عنهم الغذاء والدواء والمياه والكهرباء والاتصالات عن بُعد؛ إذ لا يجرؤ من بقي معه من الجنود والضباط على الدخول إلى شوارع المدن التي يعلنون عن استعادتها من الجيش الحر وبعض أحيائها مثل: حلب وحمص ومعظم العاصمة دمشق وريفها. فالمقاومون هم المسيطرون عليها ومن ينسحب منها مؤقتاً تحت القصف العنيف يعودون إليها بعزيمة وإصرار على تحقيق النصر وعدم التراجع عن ذلك؛ لأن هذا النظام لو استطاع هزيمة الثوار لذبح كل سوري، وشرب من دمائهم؛ انتقاماً منهم على تأييد الثورة والمطالبة بالحرية لكل أبناء سوريا وأعراقها وطوائفها، وإن وقف العالم كله ضد جرائمه واستنكرها. والمناظر التي نشاهدها للأحياء التي تقصف بالأسلحة الثقيلة براً وجواً وقد سويت بالأرض مفجعة ومخيفة ومستفزة للمشاعر الإنسانية، وهي ترى جثثاً مبعثرة في الشوارع ووسط أنقاض البيوت والمنشآت، ومن بقي من السكان يبحثون عن الخبز والمتطلبات الضرورية الأخرى في طوابير طويلة، والهاربون من جحيمه إلى خارج الحدود تكتنفهم أوضاع تدمي القلوب، جالسين بين الأتربة، وتحت الشمس تلفحهم في هذا الجو الحار، وتكتسحهم العواصف الرملية في الصحراء بدون مياه شرب أو مرافق صحية أو أية وسيلة تبقي على حياة أطفالهم الرضع وكبار السن، لاسيما الدفعات الجديدة التي تحتاج الدول المضيفة إلى وقت لنصب خيام واختيار أراضٍ مناسبة لإيوائهم مزودة بالمياه قبل كل شيء. ولم يعد في الوقت متسع لأية محاولات تحت مسمى الحل السلمي لوصول المشكلة السورية إلى ذروتها وتدخل دول وأطراف عديدة في هذا الشأن سواءً المعارضة ضد نظام بشار الأسد أو الداعمة له وإن زودت طرفي الصراع بالأسلحة الفتاكة أو أرسلت الجماعات المرتزقة التي لا يهمها من تقاتل ومن تقتل وأين وما هو الهدف؟. فكلما اخترقت الحدود ودخلت المجاميع المسلحة غير السورية إلى الساحة كلما تعقدت الحلول وسالت الدماء وكثرت المآسي وانتهى ما بقي من البنية التحتية والمساكن والمؤسسات الرسمية والأهلية وتصبح قاعاً صفصفاً أو خرائب وأطلال تنعق فيها الغربان، وأي مبعوث أممي ممن يخلف عنان لن يكتب له النجاح، وإن كان بحجم وخبرة الأخضر الإبراهيمي، فخبرته السابقة ستضيع في سورياً حتماً..