خرج الطبيب الجراح من غرفة العمليات ينقل لأهل المريض بشرى نجاح العملية. في اليوم التالي مات المريض! لم يواجه الطبيب أهل المريض في اليوم التالي، ولم يكن هناك حاجه لمقابلتهم فموت المريض كان “قضاء وقدر”، فالموت والحياة بيد أرحم الراحمين. إذا فالعملية نجحت لمجرد أنها تمت، وكأن ما كان على الدكتور إنجازه هو فتح الجلد وانتزاع ما يمكن انتزاعه وغلق الجلد وترك الباقي لرحمة الله. من البديهي ونحن نقرأ هذا السيناريو الشائع الحدوث أن ندرك أن تقييم نجاح العملية الجراحية لا ينتهي لحظة إغلاق جلد المريض. فإذا فشل الدكتور أو أهمل أثناء أجرائه العملية وظهرت أثار ذلك بعد غلق الجلد فهو لا شك مسؤول عن “نجاح” العملية الجراحية، ونجاح العملية يتحقق بخروج المريض من المستشفى في حالة أفضل من حالته التي أدخلته المستشفى. هذا المثال يدفعنا للتفكير بطريقة مختلفة لتقييم الأشياء من حولنا، فلنأخذ التعليم في مجتمعنا اليمني. في هذا الأسبوع أعلن وزير التربية والتعليم الدكتور عبدالرزاق الأشول نسبة نجاح الطلاب في امتحانات الثانوية العامة التي تجاوزت الثمانين بالمائة، وقبل إسبوعين تم إعلان نتائج امتحانات الشهادة الإساسية والتي هي الأخرى تجاوزت الثمانين بالمائة. هذه النسب العالية نسمعها العام بعد العام، ولا نقف عندها كمجتمع لأننا نعتبرها جزءاً من روتين العملية التعليمية التي من خلالها يتأهل الطلاب للنجاح إلى الصفوف التالية أو مواصلة الدراسة الجامعية والحصول على المنح الدراسية. لكن هذه النتائج تستدعي بعض التساؤولات: 1. لماذا تقدم النتائج بهذا الشكل وبدون تفصيل أكثر، مثلاً ماهي نسبة الناجحين بنسبة 500 % %60? أو %60 %70 ...الخ؟ 2. هل معنى تقديم النتائج بهذا الشكل (82 ٪ نجاح) أن كل ما يهمنا هو النجاح ولو كانت درجات الطالب في حدها الأدنى؟ 3. هل معنى النتائج هذه أن طلابنا وطالباتنا استطاعوا اجتياز هذه الاختبارات وحققوا نسبة النجاح العالية على الرغم من حرمانهم من الدراسة ومن مدارسهم ومدرسيهم أغلب أيام العام الماضي بسبب الأوضاع في البلاد؟ 4. هل يعني هذا النجاح أن المنهج اليمني لا يحتاج مدرسين ولا مدارس ما دام الطلاب قادرين على النجاح بالمذاكرة الذاتية وبدون الاستفادة من تعليم وتجارب المدرسين في المدارس؟ 5. هل هذه النتائج نتيجة تبسيط لاختبارات هذا العام مراعاة لظروف البلاد والمجتمع في العام المنصرم؟ 6. هل يفهم المجتمع اليمني أن نسبة النجاح هذه التي تحتفل بها وزارة التربية والتعليم تعكس أن مخرجات التعليم اليمني تؤهل الطالب اليمني لتجربة التعليم الجامعي المؤهل أو متطلبات سوق العمل؟ 7. هل ستكون نسبة النجاح والتميز هي نفسها لو كانت اسئلة الاختبارات توازي في تحديها وصعوبتها أسئلة الثانوية العامة في بلدان مثل سنغافورة أو في بلدان أخرى تساعدنا على تقييم وتقويم علمية التعليم في اليمن؟ نتائج الإختبارات لا تعكس مستوى أداء الطالب وقدراته فقط، بل هي مرءآة لقدرات وزارة التربية والتعليم والمدارس والمعلمين وتقييم للقرارات التي يتخذها كل شخص مسؤول عن العملية التعليمية ابتداء بالوزير وانتهاء بالمدرس في الفصل. إن مَثل وزير التربية والتعليم ومدير المدرسة والمعلم الذي لا يقيم أثر عمله وقراراته التعليمية مَثل الطبيب الجراح الذي يفتح جلد المريض ثم يغلقه بدون أي مراجعة أو تأمل أو تحمل لمسؤولية أمام المريض وأمام متطلبات مهنته. الحديث عن تقييم جودة التعليم ليس حديثاً يمنياً خاصاً فهو موضوع يمس المجتمعات العربية الأخرى بل إن المجتمعات في العالم أدركت انه حديث لا يمكن أن يظل محصوراً في غرف المدرسين، والدوائر التربوية. الحديث عن التعليم اليوم هو حديث عن اقتصاد المستقبل، وهذا ما يجعل مسألة التعليم في اليمن اليوم مصيرية.
في اليمن نحن اليوم بحاجة إلى استخدام نتائج الاختبارات لتقييم مدارسنا، لتقييم مناهجنا، لتقييم أدائنا كمعلمين وتربويين، كما أننا بحاجة أن يكون هذا التقييم بداية لإعادة صياغة أهداف التعليم في اليمن حتى تتعدى الكتابة والحساب، ويصبح الهدف من العملية التعليمية هو إعداد الطلاب في اليمن ليكونوا قادرين على: أ. التفكير الناقد وتحليل المعلومات وتقييم مصداقيتها خاصة مع توافر الكم الهائل من المعلومات حولنا من مصادر مختلفة هذه الأيام. ب. القدرة على حل المشاكل المعقدة والمفتوحة التي تعطي الإنسان القدرة على التعامل مع متطلبات وتحديات العمل في المستقبل أينما كانوا. ج. التواصل والتعاون والعمل مع الآخرين لإنجاز الأعمال والمهام وهو التحدي الذي يواجهه الإنسان في مجالات وسوق العمل. د. التفكير الإبداعي غير التقليدي، وتشجيع التفكير بطرق مختلفة تدفع بهم إلى ريادة الأعمال. ه. التواصل والتخاطب بالأساليب الشفهية، والكتابية التي تضمن ايصال الأفكار بطرق سلسة وواضحة. و. أستخدام التقنيات العصرية والاستفادة الإنتاجية منها. تحديات التعليم في اليمن كثيرة، لكن مواجهتها تبدأ بتقييم ما يحدث الآن والتفكير في إعادة صياغة أهداف التعليم بما يتناسب مع تحديات ومتطلبات العصر، والحسابات المجتمعية والاقتصادية لدولة مثل اليمن . * موجهاً عاماً في إدارة التربية والتعليم في مدينة نيويورك.