لا ندري ما الذي يمنع وزارة كالصحة من القيام بعملها فيما يتصل بالرقابة على المنشآت الطبية والصحية ومن يزاولون مهنة الطب التي غدت موئلاً مغرياً للكثير من المتطببين الذين لا يهمهم أرواح الناس بالقدر نفسه الذي يهمهم فيه جمع المال. ومهنة مثل الطب لا تعدو لديهم أكثر من ممارسة عمل تجاري يدر عليهم المال الوفير لا أقل ولا أكثر حتى ولو كان ذلك سيؤدي إلى التسبب بعاهة يغدو الموت معها عند أصحابها خياراً مفضلاً. من المؤسف أن مثل هؤلاء الدخلاء أو المتطببين ليسوا في المشافي الحكومية فحسب، بل في مشافٍ يقال عنها إنها خاصة ويفترض أنها مميزة في خدماتها عن الحكومية في بلادنا وإلا ما المبرر لوجودها أصلاً!؟ يبدو أن الخاص هنا هو المال ولا شيء غيره. وفي وضع كهذا لا ينبغي ألا تدع لأسئلة التعجب المفتوحة والغائرة مجالاً لأن تستبد بك وأنت تنتظر نتيجة فحص يفاجئك بما لا يسرك في حين أنك خال من ذلك المرض.. بين يدي حالة وهي بالمناسبة تشبه العشرات والمئات من الحالات المتكررة تكرر غفلات الصحة.. ذات مساء ذهب مع زوجته إلى إحدى العيادات الخاصة في العاصمة صنعاء للمعاينة وجاء الخبر غير السار طبعاً أن زوجته مصابة بالسرطان. أظلمت عليه الدنيا من حيث أراد أن تضيء.. يا إلهي! سرطان ياما أمر الليالي! ودلف عليها وحدجها بنظرة مترعة بالخوف والإشفاق...وراح في خيال عميق يستجر أياماً حلوة وليالي مليحة.. كان يظللها الأمل بعمر مديد خالٍ من المنغصات والشقاء وعادت كلمات المختص كالمطرقة تشق الهواء شقاً إلى أذنيه وهداه تفكيره المكدود إلى الذهاب لمختص آخر في صنعاء أيضاً لعل هناك خطأ ما وسوء تقدير.. مثقل الخطى مضى وهموم الدنيا ألقت بحملها الثقيل في فوق كتفيه النحيلين وقعد في صالة الانتظار يقلب عينيه الغائرتين في محجريهما كسراج كوخ نصف متقد.. ها يا دكتور خير إن شاء الله وجاء الخبر سريعاً: سرطان.. وتمتم: سرطان يا دكتور!؟ قدماه النحيلتان لم تنؤ بحمله اطرّح جسده المنهك بسني الحنظل فوق البلاط وتدحرجت دمعتان خفيفتان على خديه.. شعر بشيء غريب يستبد به ويملأ تفكيره: وحدي أنا من أظمته الدنيا وألقت المصائب ثقلها عليها.. راح يتمتم بهذه الكلمات.. وما عساها أن تخفف..!؟ لكنه وعوضاً عن الإحباط بدا هذه المرة أكثر أملاً وأشد جلداً.. اليأس قاتل وسم زعاف ومن المحتمل أن المختصَين كذبا أو كذبت تحليلاتهما ها هو ابن جارنا قال له الأطباء سرطان، ولكن تحليلات المختبر في مصر أكدت خلوه من المرض المفجع ربما تكون التحليلات بالنسبة للزوجة خاطئة أيضاً هي الأخرى، وعزم على السفر إلى هناك، ولكنه فكر بالذهاب أولاً إلى تعزمسقط رأسه، فالشك ما برح يستولي عليه ويبرح به .. دلف إلى إحدى العيادات الخاصة أيضا، وكانت النتيجة كسابقتيها .. سرطان ولكن هذه المرة بدون جزم لقد أخبره المختص أنه بحاجة إلى أن يتأكد.. نهض من فوره عازما السفر إلى مصر فالطب في بلدنا مازال متأخراً جداً وقد وضعنا أقدامنا على أعتاب الألفية الثالثة.. يحدث نفسه.. أوهم أم العيال أن غرض الزيارة معاينة ولدهم الصغير الذي هو الآخر يعاني مرضا آخر.. لم يخبرها بالحقيقة حتى لا يفجعها.. وكان له ما أراد في ليلة شتوية ماطرة بات ولم تكتحل عيناه بغمضة وفي الصباح أقلته الطائرة مع زوجته وولده الصغير إلى هناك، لم يرتح من عناء السفر سوى ساعة بالتمام والكمال، لكنها لم تكن كافية.. منهك القوى والأعصاب حملته قدماه النحيلتان إلى أحد مستشفيات القاهرة، كان الجو صحواً ويبعث على التفاؤل بالنسبة لغيره أما هو فقد كان الجو له ملبدا وعابساً.. إنه لا يعلم ما تخبئه له الأقدار! وطرح جسده المثخن عذابات في باحة المشفى، وعلى أحر من الجمر ظل ينتظر نتائج الفحص المخبري .. كان عصبيا حاد المزاج واليأس يغوص في روحه المحبطة كسكاكين وخناجر تقطع خيوط رجائه.. يقلب عينيه على المارة وعلى النوافذ متشبثاً ببقايا أمل.. سبق للمختص في تعز أن نصحه بالتأكد فلا بأس أن يجد بصيصاً من أمل سبيله إلى روحه المنكسرة وقلبه الجريح.. يسمع حركة قادمة نحوه من الداخل ينهض من فوره فاغراً فاه ها.. يا دكتور سرطان؟! هكذا بهذه البراءة.. لا إيه سرطان!؟ زوجتك سليمة! لا تحمل أي ورم خبيث لا سرطان ولا غيره و الحمدلله على السلامة! لم يصدق ما قاله الطبيب وكرر استفهامه: أنت متأكد يا دكتور ضحك الطبيب، وقال له: نعم، اطمئن.. وراح الزوج في خيال عميق وأسئلة مفتوحة تحاصره: معقول الدكاترة في بلادنا لم يستطيعوا تشخيص المرض؟! أين جهات الاختصاص!؟ ومن منحهم هذه الشهادات!؟ ولماذا أرواح البشر لا قيمة لها عندهم!؟ و قضقض أنيابه وكأنه يحاول الانتقام منهم؛ ولكن ما الحيلة والسبيل!؟ والمشكلة أكبر من أن ينوء بها رجل فقير مثلي، بالكاد أوفر لأسرتي ما يسد رمقهم حتى تكاليف العلاج والسفر إلى مصر تبرع بها أحد التجار يحدث نفسه؛ لذا قرر أن يلوذ بالصمت.. فهل ستقرر وزارة الصحة والحكومة الصمت أيضاً إزاء حالات كهذه!؟ لا سيما أن هذه الحالة ليست الوحيدة!؟