لا أعتقدُ أن الرئيس السابق إبراهيم الحمدي كانت ستروق له تلك المثالية التي يطلقها عليه محبوه ومناصروه.. أو أنه كان يمتلك تلك القدرات الخارقة التي قتله بادعائها أغلب مؤيديه، ممن لا يدركون جيداً من هو الإنسان الجميل إبراهيم الحمدي.. أو ماذا كانت لديه من أفكارٍ جديرةٍ بالتطبيق والانتماء؟. غير أنه بلا شك كان رئيساً استثنائياً أمام الأسماء التي تربّعت عرش الحكم في اليمن الحديث.. ومن هنا جاء تميّزه قبل كل شيء.. ثم الجانب الأخلاقيّ والإنسانيّ الذي جاء كفطرةٍ غير عبثيّة في شخصه قبل أن يكتسب ذلك من تجربة الحكم.. وهذا هو الأهم. وطالما ونحن نعيش مناسبة ذكراه هذه الأيام.. يجب أن نستلهم من تجربته القصيرة الناجحة كيف يمكننا الوصول باليمن إلى برّ الأمان.. لا أن نجعلها مناسبة لإثارة الأحقاد.. والانشغال فقط بالبحث عمن قتله.. دون الانتباه جيداً لحقيقة المستفيد من قتله.. وماذا وراء قتله من مؤامرات ضد وطنٍ بأكمله.. لا أن نشخصن الأمور كعادتنا.. ونمسك بالخيوط الواهية.. بدليل أننا إلى اللحظة لم نصل للحقيقة الكاملة لمجزرة جمعة الكرامة التي لم يتجاوز عمرها أكثر من عامٍ ونصف.. لننشغل بإثبات وهمية الاتهامات المتناقضة بمقتل الرئيس الحمدي. وحتى من يقولون إن القاتل لازال موجوداً.. فخلال حكم النظام السابق لم نرَ من المتباكين على الحمدي الآن سوى الخضوع والاستكانة.. ولهذا باعتقادي ليس من حقهم الآن الحديث عن «القاتل» إلا بأدلّةٍ دامغة وواضحة رأي العين؛ لأن التناقض الحاصل في الاتهامات المتبادلة يجعلنا أشبه ما يكون بحلبة نزاع وخصومات.. بينما حدث النزاع ليس بتلك الحلبة إطلاقاً.. وإنما هناك من يسعى جاهداً لجرجرة اليمن في أتون صراعات قميئة.. واستدعاء أحقاد التأريخ بطريقةٍ فجّة يدركها جيداً أصحاب المصالح في إثارة الأزمات بكافة أشكالها. وهنا لا أدافع عن شخص بعينه.. ولا أتهم أحداً أيضاً، فلا أدلة واضحة أمامنا.. وإنما كما تعودنا بهذا البلد أن نعيش على الإشاعات أو على قلب الحقائق.. أو مجانبة الوضوح والتعلّق بظواهر الأشياء. ولهذا أعتقد بأنه يكفينا تضليلاً واتهامات تظل تدور في رحى إفرازات تغييب العقل وتهميش ذاكرة المواطن.. والعبث بما تبقّى من أحلامه.. وأعتقد أيضاً أن تحديد الموقف الوطني من الدول التي يُشاع أن لها الدور الرئيسيّ بقتل الحمدي هو الأهم من كشف المنفذين للجريمة.. فالمنفذون أشخاص نعرفهم بحقيقةٍ أو وشاية وربما ماتوا أو مازالوا.. لكن الدول التي يشاع أنها دعمت ستظل هي الأخطر على من سبق من يمنيين، وخطر علينا الآن، وكارثة على مستقبل اليمن؛ لأنها تنطوي على سياسة معينة لا علاقة لها بحياة أو فناء الأشخاص بقدر ما هي تستهدف وطناً بأكمله. [email protected]