معلوم أن القوة السياسية لأي دولة مرهونة بقوتها الإقتصادية , وقضية زوال الإمبراطورية الأمريكية ليست موضوعاً جديداً , وليست قصة للتندر , فانهيار الإقتصاد الأمريكي بالضرورة سيؤثر على العالم العربي والغربي بأكمله.. والمتابع لتطورات الأوضاع الإقتصادية الأمريكية ولإحصائيات وتصريحات القيادات المركزية الأمريكية المختصة يمكنه بسهولة معرفة مؤشرات تلك النهاية, وأنه وكما انهار الإتحاد السوفيتي «أكبر امبراطورية في العالم» بدون سابق إنذار , ستكون النهاية الأمريكية قريباً , وستغدو أمريكا بعد فترة شأنها شأن أي دولة عادية وإن ظلت تحتفظ بهيبتها الدولية إلا أن مشاريعها الاستعمارية والعسكرية ستتلاشى تماماً، وهذا ما نعنيه بقضية الانهيار , والسبب في ذلك يعود إلى الحروب الطويلة التي أقحمت أمريكا نفسها وشعبها فيها دون مبرر إلا استعراض قوتها الدولية بغرض السيطرة على العالم , وساعدها في ذلك التضليل الإعلامي الذي تمارسه , وما يغذينا به من أوهام تروج بها أمريكا لإخفاء حقيقة سقوطها الوشيكة . إن آخر السيناريوهات التي كشفت لنا انكسار الاقتصاد الأمريكي هو سيناريو الحرب ضد أفغانستانوالعراق والذي جعل أمريكا تستنزف إقتصادها القوي لتمويل حروبها, وعادة ما تتدخل أمريكا في الشئون الدولية الأخرى بحجة تحرير الشعوب وإقامة النظم الديمقراطية فيها كما تدعي ,ليصبح تدخلها السافر إنسانياً ومبرراً فتفرض هيمنتها على العالم بسهولة , إلا أنها هذه المرة أخطأت خطأ فادحاً ,فالحرب الطويلة في أفغانستانوالعراق دمرت عتادها و جيوشها و أنهكت قواها تماماً , مما حدا بها للتراجع بقوة , فمضت تنسحب مدعية أنها أنهت مهامها الإنسانية, لكن انسحابها لم يأت إلا بعد أن تعلمت أمريكا درساً قاسياً ودفعت ثمناً غالياً لغطرستها الدولية وحسب ما أفاد الكونجرس الأمريكي فإن أمريكا تكبدت خسائر فادحة اضطرتها “ للخروج” حد قولها من العراق، حيث وصل إنفاقها الشهري هناك إلى 80 مليار دولار , و في الساعة الواحدة تصل تكلفة القنابل إلى 15 ألف دولار, كما يكلفها تشغيل حامل الطائرات لليوم الواحد 3 ملايين دولار, وتشير تصريحات القيادة الأمريكية إلى أن هذه الحروب والاستمرار فيها قد تقضي على الاقتصاد الأمريكي في حال استمرت , وأن الحروب التي خاضها بوش ومن سبقه أقحمت أمريكا في ديون استنزفت ميزانيتها العامة ، فارتفعت مخصصات البنتاجون إلى 720 مليار دولار من432 مليار دولار , واهتزت أسواق الأسهم وغادرت الاستثمارات الخارجية منها وتدهورت قيمة الدولار أمام اليورو واليوان الصيني إلي أقصى حد , كما أغلقت الآلاف من المصانع والمؤسسات الأمريكية , وارتفعت معدلات الفقر والبطالة, وتراجع التعليم بشدة . والآن و في ظل النمو الإقتصادي لدول أخرى كالصين وروسيا و دول الاتحاد الأوروبي التي تعمل على تطبيق التجربة الأمريكية، كونها تجربة ناجحة سادت بها العالم , وتحكمت بقضاياه الدولية والإقليمية وفق ما تقتضيه مصالحها الداخلية , فإن هذه الدول تلجأ إلى تطوير نفوذها السياسي لتحل محل أمريكا في سيادة العالم , فتعمد إلى كسر شوكة الإقتصاد الأمريكي بشتى الطرق كما حدث في أزمة عام 1929م والتي استمرت حتى عام 1933م وكان ذلك الانهيار هو الأكبر في عالم الاقتصاد الأمريكي , ومازالت الأزمات تتلاحق الواحدة تلو الأخرى . إلا أن أمريكا ورغم يقينها بحتمية سقوطها التي لا مفر منها , ما زالت تعمل جاهدة للبقاء والتصدي للدول المتربصة بمكانتها العالمية وتعمل على تقوية نفوذها في وجه التهديدات المحيطة بها , وذلك بعيداً عن الحروب والخيارات العسكرية، فهي تتهرب من أي مواجهة عسكرية منفردة وتحت أي ظرف كان ومع أي كان , كما يبدو ظاهراً من محاولة تجنبها للدخول في حرب مع إيران ومشروعها النووي، لذلك تلجأ للبحث عن كيانات قوية في طريقها إلى الصعود ومن ثم إقامة تحالفات سياسية قوية معها تضمن من خلالها حفاظها على ماء وجهها أمام المجتمع الدولي بعد السقوط , وهذا ما يبدو ظاهراً في العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية, فإسرائيل هي خيار أمريكا الوحيد للبقاء , إلا أن أماني أمريكا في البقاء لن تتحقق , الانهيار الأمريكي مسألة زمنية لن يطول انتظاره كثيراً . [email protected]