كان صوت تلك المرأة المسكينة يجلجل في أذني، وبكاؤها يمزق قلبي، وهي تولول على ولدها العسكري الصغير الذي لم يكمل ال19من عمره، والذي يعولها وإخوته الثمانية، والذي تمزقت أشلاؤه في ميدان السبعين، ولم تعرفه إلا بإصبعه الصغيرة التي وجدوها في الميدان ومكتوب على خاتم فيها (لا إله إلا الله)، حينها تأكدت أنه مات، ومات شهيداً، لم يقترف أي ذنب إلا أنه يمني، حينها تفتني صديقتي التونسية، تسألني عن اليمن وعن أحوالها، فأجبتها بهذا النص: (1) وسُئلت يوماً عن بلادي قالوا هي اليمن السعيد أرضُ الحضارة.. والتآزر.. والتآخي.. أرضٌ إذا وطأ الغريب فيها استهلت بالتنادي: لا تأس أنت هنا حبيب ولك المنازل والمآقي.. الجار فيها كالقريب وآخٌ يؤازر في المآسي.. والناس فيها طيبون يتقاسمون الأمنيات.. والخبز والحلم الرمادي.. (2) وإذا أقول لهم إذا سألوا فؤادي عن بلادي.. القهر يكوي أضلعي والدمع أغرقه مدادي.. بتنا نعادي بعضنا ولغيرنا نهب الأيادي.. بات التحزب ديننا ولأجله ننسى الأخوة بيننا فنبيع إخوتنا.. وأسرتنا وماضينا.. وحاضرنا وموطننا.. وأمتنا ونبيع حتى اسمنا وباسمه دوماً ننادي.. (3) هبوا نلملم جرحنا يكفي الذي قد فاتنا نضبت دموع نسائنا وتيتموا أطفالنا خنا أمانة ربنا ما عاد يجدينا التمادي (4) سُفكت دماء شبابنا وتبللت بدمائهم أحلامنا وجنودنا في كل يوم يذبحون أمامنا ويقدمّون أضاحيَ لسارقي بلادنا.. ويردد الجندي الفقير والنار تلفح وجهه، ودماؤه تروي الأيادي: إن مت يوماً واقفاً يكفي بأن تحيا بلادي. رابط المقال على الفيس بوك