يبدو أن النمط الاجتماعي في شعب من الشعوب وما يلفه من عادات وتقاليد له تأثير مباشر وغير مباشر على الحياة السياسية للدولة من حيث التفاوت في درجة الغموض والوضوح الذي يصاحب الحكام عادة في إدارة الشأن العام. ولمن أراد الاستزادة عن المقصود من المقدمة السابقة ودواعي صياغتها أقول: لقد أثار فضولي في هذا الجانب عبارة ألقاها أحد الظرفاء بتلقائية مصوراً الوضع الراهن في اليمن ومقابلته بما يجري هناك في عاصمة المعز “القاهرة” فقد علق قائلاً: إن الصراع السياسي في صنعاء يشبه كثيراً رداء المرأة اليمنية الأسود الذي لا يكاد يبرز سوى العينين وهو ما ينم عن غموض يفتح آفاقاً من التأويل والتخمين أما الصراع المصري فواضح وضوح وجه المرأة الفرعوني الصبوح المشرق بالحيوية والنشاط والثقة. وأجدني مضطراً لتزكية هذه المقولة الحكيمة على الرغم مما قد تثير لدى الآخرين غرائز السخرية والتندر فكم من قضايا وأحداث جسام وقعت على رؤوسنا ويتمت نساءنا وقتلت أولادنا وطحنت أقواتنا وخربت مصالحنا دون أن نعرف كمواطنين شيئاً عن بواعث وحقائق وتفاصيل تلك القضايا التي تشيع بهدوء إلى مثواها الأخير وتدفن في مقبرة النسيان الجمعي. إن ما يميز الصراع السياسي المصري على اتساعه وعمقه الذي لا يخلو من كبوات أن اللعب على المكشوف من جميع الأطراف ولا يوجد شيء اسمه برقعة وهذا سلوك طبيعي في بلد منشأ الاختلافات فيه على الصالح العام لمصر “أم الدنيا” ولا مساحة في ثقافة هذا الشعب الأبي لشخصنة القضايا ،لأن أي مغامرة للشخصنة في بيئة “ توت عنخ أمون” لا تعني سوى الفضيحة المدوية لمن يسلك هذا الطريق المزروع بالألغام ولا عجب والأمر كذلك أن نجد أسماء مصرية لامعة امتدت فاعليتها حتى خارج حدود مصر أصبحت عاطلة عن العمل وتعكف حالياً على قراءة الصحف داخل غرف النوم وتسترق النظر من تحت الأبواب لما يدور في ميدان التحرير فهي تدرك أن مهمتها انتهت بعد أن أصبح شعب الأهرامات عملاق حضارة ال7 آلاف سنة هو صاحب المبادرات العظيمة التي تنبع منه إليه بلا منازع فأين عمرو موسى وأحمد أبو الغيط حمدين صباحي أحمد شفيق وغيرهم كثير. بعكس الشخصيات السياسية اليمنية التي ما تزال تسرح وتمرح وتهيمن على رقاب الناس وتتحكم في مصائر العباد رغماً عن أنف الربيع اليمني والسبب يكمن في نهج الغموض السياسي الذي يشبه إلى حد بعيد وجوه نسائنا المغطى ببراقع محكمة وأي محاولة لاستقصاء ما تخفي تحتها حتى ولو كان لغرض شريف يعتبر جريمة تكفي لإقناع المجتمع هدر دمك.. لذلك نتحاشى جميعنا العبث ببرقع الدولة باعتباره علامة بارزة على الحشمة السياسية وصون الوحدة الوطنية والحفاظ على مكتسبات ومقدرات الوطن ومع هذه القاعدة لا يحق للمواطن سوى النظر خلسة إلى العيون الفاتنة والإصغاء للهمسات المغرية التي تنسج على منوالها الأماني العريضة عن وهم اللقاء المرتقب غير أن تلك الوعود الرنانة بالحسم والمكاشفة والاستمتاع بمستقبل زاهر لا تتحقق ومع الوقت يكتشف المسكين بعد فوات الآوان أن تلك العيون العسلية مجرد سراب وزيف وخديعة تنوب عن وجه مسخ طالما تفانى صاحبه في إقناع الناس بأنه أجمل ما في الوجود وهذه حقيقة فلا يخاف من الكشف والمكاشفة إلا من يحمل قبحاً يحرص على إخفائه عن الأنظار أكبر قدر ممكن إلا من يحمل قبحاً يحرص على إخفائه عن الأنظار أكبر قدر ممكن ،لأن رفع الغطاء عن المستور قد يفقده المكانة الحزبية أو الدينية أو السلطوية. وإذا بالمواطن المكلوم بالوعود السرابية في ظل هذا الفضاء المشحون بالحسرة والخيبة يردد في قرارة نفسه قول الشاعر الشعبي المجهول: جبل نقم خضّر وما مطر شي مثل الذي يعشق وما معه شي فالبداع هنا يستغرب ادعاء اخضرار جبل نقم ساخراً من استحالة ذلك لأن المطر لم يحن موعده مثلما يعشق الفقير ولا يمتلك الدراهم للزواج. وهذا بالضبط حالنا السياسي المتشابك تشابك “ اللصّام” العلكة في شعر الرأس والذي لا يزول إلا بقص خصلات الشعر الواقعة تحت نير “اللبان”. إن برقعة السياسة أو سياسة البرقعة قد دفعت بالوطن إلى مهاوي الفشل والمجاعة وسوء التغذية وأغرقته في مستنقع متلاطم من الفساد وجعلته تحت الوصاية الدولية.. الوصاية التي أفرزت نتيجة مؤلمة مفادها: أن الغرباء أرحم علينا من أنفسنا ومن ذوي القربى. ألا يوحي ذلك على نعمة السفور ونقمة البرقعة. ولمن أراد الاستيضاح أكثر حول عاملي السفور وموطنه “مصر” والبرقع اليمني ومنبعه اليمن نعقد هذه المقارنة العرضية. في مصر: الساسة يتسابقون لإرضاء الشعب. في اليمن: الشعب يلهث لإرضاء نزوات الساسة. في مصر: الأزمة السياسية من أجل مصر. في اليمن: الأزمات المتلاحقة من أجل أشخاص. في مصر: ميدان التحرير هو من يرسم سياسات البلد ويحدد معالم المستقبل. في اليمن: التقطعات الاعتداء على الكهرباء وأنابيب النفط والاغتيالات ميادين مفتوحة تحدد ملامح مستقبل السياسيين وتعالج قضاياهم. في مصر: الساسة يتغنون بمطالب الشعب. في اليمن: الشعب يرقص طرباً على إيقاع فحيح أفاعي السياسة. في مصر: الطاغية يحاكم والفاسد يعاقب. في اليمن: الطاغية تبرأ ساحته والفاسد يكافأ. في مصر: الجيش واحد موحد لحماية البلد. في اليمن: الجيش جيشان لحماية أشخاص. في مصر: السلطة تتميز بواحدية الرأس. في اليمن: السلطة تتميز بتعدد الرؤوس. وأمام هذه المفارقات إجمالاً إذا بي أتخيل وقد استوطنت الملكة بلقيس بسفورها الرائع أرض النيل توزع على أهله عبير الشورى والديمقراطية بينما أنتقل فرعون بجبروته إلى اليمن وأتخذ من جبل نقم متكأ نجح من خلاله في إغواء قادة التنظيمات والأحزاب السياسية على اعتناق مذهبه الأناني والسير على خطى مقولته الشهيرة “ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد”.. يا شعب اليمن المعطاء إذا وصلتم إلى قناعة راسخة وأكيدة بأن برقع المرأة لدينا هو سر قواعد حكم الحاكمين المخضبة بالسواد فإننا ندعوكم إلى الخروج إلى الساحات والميادين للمطالبة بحظر ارتداء النقاب تحت شعار.. لا حكومة لا نظام حتى يسقط اللثام...!! رابط المقال على الفيس بوك