«8» كانت تلك مرحلة نشأة القوى التقدمية أو القوى التي تنشد التقدم أو القوى اليسارية، مجازاً والتي وفقاً لمعايير (ماركس) في البيان الشيوعي الأول لا يمكن تسميتها بالقوى الشيوعية بالمفهوم المثالي والإنساني. لقد غيرت ثورة البلاشفة وسياسات ستالين الفاشية جوهر الفكر الشيوعي، وهو الفكر الذي لا يناصب العداء للوعي الديني، وهو أقدم وعي في الذهن البشري.. وكانت هذه المرحلة إرهاصية وقاسية، ولكن خلقت وعياً جديداً مناهضاً للثقافة التقليدية وللاستبداد، ودفعت المعذبين إلى أتون الإحساس بالمظالم الطبقية والقهر الاجتماعي والتمييز بكل أشكاله وأنواعه. واندغمت في هذه المرحلة فترة استعمار حمى العداء ضد هذه القوى شوفينياً ورجعياً ماضوياً وحمى ملاحقة البوليس السياسي لخلايا المكونات الحزبية والتنكيل بأعضائها، وامتلأت المعتقلات بالسياسيين من هذا التيار الذي عانوا من التعذيب حتى الموت، إضافة إلى ردود الفعل التي لحقت بشيوعيي العراق بعد انهيار انقلاب عبدالكريم قاسم على أيادي قادة حزب البعث. وأثرت هذه الحالة القمعية المتواصلة المرتكزة على عدائيات شوفينية وأيديولوجية على بنى هذه الأحزاب التي انكمشت لمصلحة الأحزاب والتنظيمات السياسية والحركات الأيديولوجية سواء المتربعة على عرش السلطة السياسية في شمال وشرق أفريقيا وسوريا والعراق أو تلك التي حافظت على أدائها الشوفيني؛ حيث عززت هذه المكونات من مكانتها السياسية والاجتماعية تحت ذريعة مواجهتها لما سميت بالقضية المركزية (فلسطين) والغزو الثقافي الأجنبي. ورفعت هذه التنظيمات والمكونات السياسية التي سيطرت على السلط السياسية وحتى التي كانت على هامش السلط كحركة القوميين العرب بعد 1963م شعارات الاشتراكية؛ اقتفاء لأثر الحزب النازي في ألمانيا خاصة حزب البعث في صيغته الأولى، وليس هذا فحسب فقد خرج عبدالناصر بتقليعة مميزة وهي الاشتراكية العربية وهي ابنة الفكرة الشوفينية أو هي الفكرة المعدلة التي مكنت النظام العسكري المصري من محاولة خطف نضال حركة (حديثو) التي وضعت قيد الاعتقالات لفترات طويلة، أو التطبيق العربي للاشتراكية، وكانت التسميات هي عبارة عن هراء لساني – شعاراتي لقوى فاشستية حاولت محاباة أو مجاراة الخيار الدولي آنذاك، الاتحاد السوفيتي الذي كان يدير حرباً عالمية باردة، بهدف الحصول على الدعم العسكري والمالي والسياسي، وتركزت هذه الحالة في مصر التي حصدت دعماً كبيراً ابتداءً من تشييد السد العالي، مروراً بتقديم المساعدات العسكرية، والتي أدت إلى اجتياح خط (بارليف) 73م والعراق وسوريا ثم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً. وعلى الرغم من الصراخ والاحتجاجات التي وضعت على طاولة قادة الاتحاد السوفيتي بشأن الإمدادات العسكرية للسلط الفاشية والمستخدمة لقمع الأحزاب الشيوعية في المنطقة، إلا أن ذلك لم يؤد إلا إلى زيادة الارتباطات بين الاتحاد السوفيتي والسلط الفاشية في المنطقة.. وانعسكت هذه العلاقات بصورة سلبية على سياسات الأحزاب التابعة للحزب الشيوعي السوفيتي، مما دفعها إلى تدشين مرحلة مهينة من نشاطها السياسي وتفريغ شعاراتها الأممية من مضمونها. وكانت هذه المرحلة هي مرحلة التماهي مع السلط السياسية الفاشية في مصر والعراق وسوريا وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً وتجنب هذا المأزق أو أنه لم تنزلق إلى هذا المأزق الأحزاب الشيوعية في السودان وتونس ولبنان ومصر. والتماهي ربما تم بناء على توصية قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي التي عززت ووسعت من تعاملاتها مع السلط الديكتاتورية في هذه البلدان، وربما بسبب الملل الذي تسرب إلى قيادات الأحزاب في العراق وسوريا حيث ازداد منسوب القمع البوليسي وطالت سنوات التشرد. وابتدعت الأحزاب الشوفينية الحاكمة إطاراً فضفاضاً لاحتواء هذه المكونات وهو الجبهة الوطنية وتحت يافطات تضليلية من جهة وتحت الحاجات الأنانية لبعض القيادات العجائزية الخاسرة التي وجدت نفسها غير قادرة على مواصلة المسير. رابط المقال على الفيس بوك