اتذكر الخوف من الإختبارات النهائية عندما كنا ندرس في مدرسة معاذ، أو الصديق أو الفاروق، أتذكر السهر والشاي، والإستيقاظ المبكر أيضاً وجو الإختبارات، وأتذكر الإرهاق بعدها، وحالة فراغ المخ من كل معلومة بعد كل اختبار، لكنني عندها كنت طالباً، انتظر الإختبار كفرصة تمنحني إرجاع ما سكب إلى رأسي، وما حفظته خلال العام الدراسي. والحقيقة أن الإختبارات كانت دائماً تأتي عادلة، بمعنى أنها تأتي لتعكس ما تم تدريسه، وبالطريقة التي تم تدريسها، ولذلك فالإختبارات تكون مرءاة للمنهج والمعلم، كما يكون أيضاً ما يقدمه وما يكتبه الطالب أو الطالبة. موضوع التعليم، وموضوع الإختبارات من المواضيع التي تناقش دوماً وهنالك اليوم إدراك أكبر للحاجه إلى تغييرات جذرية وسريعة، ولكن هذه المواضيع تظل في الغالب عامة، ترسم ملامح المشكلة بفرش عريضة ولا تعطي القارئ الأمثلة ولا التفاصيل والأرقام التي توضح الحجم الحقيقي والأبعاد للقضية المطروحة. ولا يجب أن نستغرب ذلك فمن يكتب اليوم في الصحف والمواقع تعلم في نفس المدارس التي تعمل بمنهجية تشجع على هذا النوع من الطرح العام والعاطفي الاستعطافي الذي يخلو من الاستدلالات. وينعكس ذلك حتى على الوضع السياسي من خلال أوراق العمل والإصدارات الحزبية أو الكتابات السياسية التي تمثل هذا الطرف أو ذاك. تصفح المقالات والأدبيات تجد أن الكتاب يكتب بإسلوب وطرح إبداعي أكثر منه علمي، وبكلمات تخاطب القلوب بدلاً عن جمل تخاطب وتنير العقول. من أين أتى هذا الإسلوب، وكيف نعد خريجينا للكتابة بالإسلوب العلمي التنويري الذي يلجأ إلى الإقناع باستخدام الحجج والأدله عوضاً عنه أو حتى إضافة إلى الاستعطاف، وإثارة المخاوف من هذا أو ذاك؟ لكن تعالوا نرى سوياً كيف أن التعليم يبرمج الطالب ليكون إبداعياً أكثر من كونه علمياً وهو مانرى أثره اليوم.... أطلعت بالصدفة ومن خلال صفحات الفيسبوك على نسخة من إختبارنهاية الفصل الدراسي الأول للصف الثالث ثانوي علمي، لمدرسة سبأ الثانوية الأساسية لمادة اللغة العربية. وعلى الرغم من أنني لست خبيراً نحوياً بل أعترف أن النحو كان من اصعب المواد بالنسبة لي إلا أنني سأضع بين أيدكم سؤالي النحو والتعبير في الإختبار للاستدلال في موضوعي. سؤال النحو والصرف: إقرأ القطعة التالية بتمعن ثم أجب عن الأسئلة التي تليها: (فارس ومدينة) محافظة تعز العاصمة الثقافية للجمهورية اليمنية كتب لها التطور والرقي، على يد محافظها الأستاذ شوقي أحمد هائل الذي أجتهد كثيراً وعمل بكل إخلاص رغبة في إظهار المدينة بصورة حضارية تسير والتطور إلى الأمام فنعم رجلاً محافظ تعز ولله دره قائداً لهذه المحافظة والتي ازدادت جمالاً وبهاءًا تحت ظل قيادته الحكيمة. فسبحان الله الذي سخر لهذه المدينة مثل هذا الرجل مطوراً بانيا، فلمساته في التطوير واضحة جلية لا ينكرها إلا جاحد فهنيئاً لمدينة أنت فارسها.! “ أولاً دعوني أبدأ بالقول بأنني أتابع المحافظ متابع المحب الغير متحزب يمنياً لمدينة تعز ولذلك فأنا أؤيد أن يمنحه الناس الفرصة، وأؤيد وأعجب ببعض ممارساته، وأتحفظ وأتفهم بعضها الآخر، لكن المشكلة هنا ليست المحافظ، المشكلة هنا هي المنهج. لا بأس أن هذه القطعة جاءت لاختبار معرفة الطالب بالنحو ولكن كان من الممكن كتابة أو اختيار قطعة أخرى، إن هذه القطعة الصغيرة التي جاءت في الإختبار، تعكس مادة قرائية، فكرية احتواها المنهج أو يروج لها المسؤولون عن التعليم، وإذا كان كذلك فما هذا الفكر التعبوي الذي لا زال يجد طريقه إلى مناهج التعليم، وكيف يتعلم الطالب أن يفكر ويحلل ويقرر لنفسه. فبعد الجملة الأولى “الحنانة الطنانة”. يأتي ذكر الله سبحانه وتعالي، وإقران وجود المحافظ كتسخير من عندالله لخير المدينة ليصبح المنكر المعارض “جاحداً”. مثل هذه التعابير، ومثل هذه الأدبيات لن تخلق جيلاً يستخدم العقل في التحليل ودراسة التفاصيل، ولا جيلاً يبحث عن الأدلة قبل الإستنتاج. هذا النوع من غسيل المخ يمتهن عقل الطالب، ويفشل في إعداد الغالبية العظمى من طلابنا للتعامل مع حقوقهم ومسؤلياتهم في الحياة الأكاديمية، العملية، أو حتى العامة. مثل هذه القطعة تؤكد أن الثورة لم تؤد غرضها، ولم تنتزع بعد هذا الفكر الذي لم يحرر عقل الموجه، والمدرس، ولن يحرر عقل الطالب أو المجتمع. أما سؤال التعبيرفكان كما يلي: “تعز الواجهة الثقافية للجمهورية اليمنية فلا بد من بذل جهود جميع ابنائها للحفاظ على جمال هذه المدينة. أكتب في هذا الموضوع موضحاً الدور الذي ينبغي على الطالب القيام به لتبقى الحالمة تعز في أبهى صورها.” “قلدكم الله” أهذا سؤال نسأله لطالب ثالث ثانوي علمي؟؟ يعني ماالذي نتوقع أن يكتبه الطالب؟ كلام “حنان، طنان”. أين فكر الطالب، أين اختبار قدراته على استخدام الحجج، على الإستدلال، على الإستنتاج، اين اختبار قدرته على الكتابة العلمية، والمنهجية؟ ولكن لماذا نتوقع أن يكون الإختبار مختلف، إذا كانت حدود التدريس، والمنهج الحالي لا تتعدى ما استعرضنا من خلال السؤال، والحمدلله على ما سخر الله لنا، ومن اتفق مع هذا المقال فهو جاحد بالجهود التربوية والعملية التعليمية في اليمن. * موجه عام في إدارة التربية والتعليم في مدينة نيويورك رابط المقال على الفيس بوك