سأتناول هنا 3 أعمال سينمائية استعادية تاريخية قَدمت لنا خلال السنين الماضية رؤية واعية للتاريخ من جهة، كما كانت ممميزة على الصعيد التقني والدلالي أيضاً، ولم تنجرف أساساً مع سينما الصناعة الدعائية الفارغة عن المحتوى، وسأبدأ بفيلم الخسوف opocalypto للمخرج ميل جيبسون . مع هذا الفيلم نستعيد طرفاً من ثقافة العنف البشري في حضارة المايا بجنوب القارة الأمريكية.. وقد أومأ المخرج إلى فقه تبرير العنف عند المايا، وكيف أن هذا التبرير يرقى إلى مستوى القداسة الدينية، والارتباط الماورائي بالقوى الغيبية الغامضة، كما سجَّل في مدى ساعات العرض الطويلة واحدة من أكثر المطاردات السينمائية إثارة وحيوية، في ذات الوقت الذي طارد فيه سيكولوجيا الجلاد والضحية، لنرى كيف يتغلَّب الضحية على جلاده من خلال طاقة المحبة المودعة في أعماقه، تجاه طفله وزوجته .. لكن الأهم من هذا وذاك هو ما لم يقله المخرج إلا في لقطة أخيرة أتمَّ بها الفيلم. هذه اللقطة بالذات تستحق وصفاً لنتكشَّف على أبعادها. يختتم الفيلم بلقطة لجماعة من الأوروبيين الأقحاح، النازلين لتوِّهم من سفينتهم الخشبية، صوب اليابسة .. يتقدَّمهم راهب يرفع الصليب، وبجواره ضابط يحمل مدفعية إبادة قادمة للهنود الحمر. لقطة تبدو في عيون الهنود الحمر من المايان خرافية حد الدهشة والاستغراب، لكنها إشارة عميقة للعنف الاستباحي القادم الذي سيباشره المستوطنون الجدد ضد السكان الأصليين. وهنا وجه المقارنة بين عنف المايان المخطوفين بثقافة الخرافة والأُسطورة، وبين عنف المستوطنين القادمين من وراء البحار، ممن لا ينقصهم الوقت ولا التدبير لتسييج أنفسهم بالمدفعية وصك الإجازة الدينية للعنف القادم.. يقول لنا جيبسون ما معناه “ما أشبه الليلة بالبارحة”، فالمايان البدائي يبرر عنفه بالدين، وهذا الذي يدعي الحضارة يبرر عنفه بذات الأسلوب. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك