يقرن علماء التاريخ والأديان العنف بتواريخ الحروب والمتاهات والاستبدادات والاستباحات والفقر، فأينما وجد العنف ينبري السؤال المركزي المتعلق بالفقر والجوع والظلم والاستباحة. لقد كان العنف وعلى مدار التاريخ موصولاً بالتبرير والتمرير، ذلك أن المتوحشين الذين يقومون بمثل هذه الأفعال الإجرامية يجدون المصوغات والتبريرات الذهنية وسيلة لإرضاء الذات والتعمية على الآخرين، فالمتوحش الأبيض الذي أباد الهنود الحمر في القارة الأمريكية ادعى أنه جاء ينشر الحضارة في تلك الأصقاع، وأن الهنود الحمر يشكلون عقبة كأداء أمام حضارة البيض الكفيلة بنقله إلى آفاق جديدة وتخليصه من الحياة البدائية !! . مجتمعات الهنود الحمر السابقة على الحضور الأبيض كانت أكثر توازناً وتمسكاً بالقيم، وكانت علاقتها بالطبيعة والآخر الإنساني لا تخرج من إطار السوية المحكومة بممارسة الضرورة. وعندما جاء البيض الأقحاح بدأوا في حرق الغابات وإبادة الجواميس البرية وقتل الهنود الحمر، والإتيان بالأفارقة كعبيد في إقطاعياتهم المُستولى عليها بقوة النار، وتوجوا كل هذه الملحمة الشرسة من العنف الدموي بنشر السلاح واللهاث وراء الذهب والتقاتل العدمي الذي تقدم عنه سينما الغرب الهوليوودية شاهداً على تواريخ البؤس والإباحة والعنف . هؤلاء المتوحشون كانوا يبررون ويبررون، فالهنود الحمر لايستحقون البقاء؛ لأنهم أقل تحضراً منهم !! ، والأفارقة يصلحون لأعمال السخرة المرهقة؛ لأنه أقوياء سود البشرة !! ، والخلاسيون الجدد القادمون من فعل الآثام اليومية للبيض الأقحاح ليسوا إلا مواطنين من الدرجة الثانية، فالأغيار البيض هم ناشرو الحضارة والمتميزون بعرقهم ولونهم وعقولهم، والإبادة منطق تاريخي يتوازى مع النماء، فلا نمو إلا بالتدمير !! ، ولاتساو بين الناس؛ لأن لكل لون مقام، ولكل سلالة كرامة !. بحث أنصار أيديولوجيا العنف والتدمير مرجعيات تساعدهم على تصويغ مهمتهم فتعسفوا الداروينية، واعتبروها دليلاً على واقعية مايفعلون، وتناسوا أن أبحاث العالم البيولوجي «داروين» تتعلق بعوالم الحيوان والنبات، وأن تعاميمها لا تصلح للبشر الذين كرمهم الله بالعقل والحكمة واللسان. وحالما استنفذوا داروين وجودوا ملاذاً في نظريات الفيلسوف الألماني «نيتشة» والقائلة بأن العنف أصل أصيل في التاريخ، لامفر من الإقرار به، بل واعتباره الوسيلة لتحقيق التقدم، ولم يقف «نيتشة» عند هذا الحد بل شطب على القيم الروحية واعتبرها فرضية إنسانية صنعها الانسان متوهماً، ثم صدّق ماصنع ! . كان ذلك نصر كبير للعنف المبرر نظرياً، ومن الملاحظ أن تلك النظريات مازالت تجد لها برهاناً على الأرض. ليس من خلال الظلم العالمي المقرون بالعنف فقط، بل أيضاً من خلال ظلم ذوي القربى.