سيكون يوم الخامس والعشرين من يناير يوماً فارقاً واستثنائياً في حياة اليمنيين، وما بعده ليس كما قبله، لأنه سيؤرّخ لمرحلة جديدة وواقع جديد، اختطه اليمنيون عبر الحوار لرسم ملامح المستقبل. فحتى تاريخ 18 مارس من العام 2013م موعد بدء الحوار الوطني، كانت اليمن أمام مفترق طرق، وخيارين لا ثالث لهما: إما الحوار والدخول في عملية توافقية بين كافة القوى السياسية وإنقاذ البلاد من مصير سيء يُراد له، وإما الاحتراب والاقتتال، وهنا كان لابد أن تُختبر معادن الرجال في الملمات، ويتفوق حب الوطن على حب الذات والأنانية، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الفئوية والحزبية.. فالتقت الأطراف والفرقاء السياسيون على تجنيب البلد الحروب والصراعات.. والدخول في حوار يجمع الكل.. وجلس الفرقاء والخصوم على طاولة حوار واحدة. وعلى مدى عشرة أشهر، هي عمر الحوار الوطني الشامل، ناقش المتحاورون قضايا وأزمات الوطن الرئيسية، والمصيرية، وشرعوا في إيجاد المعالجات والحلول لها، بعد أن شخصوا مكامن الخلل وبؤر الفساد والاستبداد ومراكز النفوذ والقوى التي أعاقت طريق اليمنيين نحو التقدم وبناء الدولة. وخرجوا أي، المتحاورون بوثيقة حوار وطني وإجماع وتوافق وطني على تأسيس مرحلة جديدة وعقد اجتماعي جديد يصوغه اليمنيون كافة، لبناء الدولة المدنية الحديثة والتي اقتربنا نحوها كثيراً وبلغنا شاطئ الأمان بنجاح مؤتمر الحوار الوطني. ولم تكن مخرجات الحوار الوطني نظرياً لتخرج إلى النور لولا وجود الإرادة السياسية وتجلي الحكمة اليمانية، إرثنا التاريخي من عهد النبوة، لإخراج اليمن إلى بر الأمان، ورغم العراقيل والمعوقات التي واجهت طريق الحوار لإفشاله، إلا أن المتحاورين صمدوا في وجه العواصف، وأفشلوا كل رهانات القوى المتضررة من التغيير، وجسّدوا حالة توافق وطني وأخرجوا لنا وثيقة حوار، إن أحسنا إدارتها وتنفيذها على الواقع، سنضمن فعلاً، بناء دولة مدنية حديثة. لذا يجب أن يكون ما بعد 25 يناير مختلفاً عما قبله، بل ينبغي أن يمثّل عنواناً لمرحلة جديدة، يطوي فيها الجميع صفحة الماضي وآلامه، ومغادرة فوضى المكايدات السياسية والأهواء والمطامع الشخصية والحزبية، وكل هواجس الحذر والخوف من القادم والولوج إلى العهد الجديد بروح جديدة.. وضاءة.. نقية، كنقاء وطهارة ونبل شهداء الثورة وتضحياتهم الجسيمة، طالما وقد انتصر الوطن أولاً وأخيراً وحده دون أحد، وليس هناك «غالب أو مغلوب». لكن التحدي الأكبر يكمن اليوم في تطبيق وتنفيذ مخرجات الحوار على أرض الواقع.. فالواقع يختلف كثيراً عن قاعات الحوار، بل وأشد صعوبة.. ثم ماهي الضمانات الحقيقية لتنفيذ هذه المخرجات، وقد رأينا قوى الشر تضرب هنا وهناك، محاولة إفشال الحوار وعرقلة مسيرته، فكيف بها الآن وقد أصبحت وثيقة الحوار ناجزة؟. فلكي نضمن تنفيذ مخرجات الحوار عملياً يجب أن تنتهي مرحلة المحاصصة وتبدأ فوراً مرحلة الشراكة القائمة على مبادئ الكفاءة والمسئولية، والنزاهة، بل المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى قيادات وطنية كفوءة تدير مؤسسات الدولة بعيداً عن المحاصصة وإملاءات الأحزاب والقوى السياسية. كذلك ينبغي أن يشعر المواطن أن هناك شيئاً ما تغير نحو الأفضل، خاصة بعد نجاح مؤتمر الحوار في 25 يناير، وذلك من خلال فرض هيبة الدولة، وبسط الأمن والاستقرار، والضرب بحزم وقوة ضد كل الأيادي العابثة بمصير الوطن. ومن الضمانات الفعالة لتنفيذ مخرجات الحوار.. الرقابة الشعبية والمجتمعية وخاصة مكونات وقوى الثورة وشبابها.. الذين يجب أن يكونوا على قدر عالٍ من الأهمية واليقظة لما قد يحصل من انتكاسات لا سمح الله لوثيقة الحوار. لأننا نحن اليمنيين نحسن اختيار البدايات ونفشل في إخراج النهايات. كذلك من الضمانات وجود ميثاق شرف إعلامي يرتقي إلى مستوى المهنية والمسئولية الوطنية وعدم الانزلاق مرة أخرى نحو الخطاب التحريضي والعدائي.