بين الخوف على السيادة والقلق من عدم الوضوح, تباينت الآراء والمواقف من قرار مجلس الأمن رقم «2140» بشأن الأوضاع في اليمن. ورغم أن القرار أكد التزام المجلس بوحدة واستقلال وسيادة اليمن وسلامة أراضيه، فقد رأى الحوثيون فيه صكاً يضفي الشرعية على الوجود الأمريكي العسكري والأمني في اليمن، بينما تحاشى المؤتمر الشعبي، وهو المعني الأول به بين آخرين، إعلان رفضه القاطع للقرار وأبدى مرونة عالية في التعامل معه، فعبر عن ترحيبه في جانب، وفي الجانب الآخر أعرب عن مخاوف من لجنة العقوبات التي قضى القرار بتشكيلها، مطالباً بأن تتسم أعمالها بالشفافية والاستقلالية من أية مؤثرات خارجية أو محلية كما جاء في بيانه والأحزاب المتحالفة معه. ورحبت القوى الأخرى، خصوصاً الاشتراكي والناصري والاصلاح، بالقرار لما يمثله من تجفيف الأموال ومصادر القوة الأخرى التي يستخدمها معرقلو العملية السياسية. ولم يختلف المؤيدون على الاطلاق والمرحبون بتحفظ في تأكيد التزامهم بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية كأساس مرجعي للعملية السياسية. تنعكس مواقف الأطراف بشكل جلي على آراء الشارع ودون أن تترجم بصورة قاطعة تباين الكتل المؤيدة أو المعارضة للقوى السياسية المختلفة، فهناك بين المناصرين للقوى المناهضة للرئيس السابق من يشارك حزبه التحسس من القرار ويعتقد أن السيادة اليمنية انتهكت بالفعل لسبب وحيد هو أنه جاء تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، في وقت يعتقد المتحمسون لمعاقبة معرقلي التسوية أن العقوبات المنصوص عليها في القرار «تجميد الأموال والمنع من السفر» وردت على سبيل التهديد بما يعني أنها ليست قابلة للتنفيذ. في الصورة التباس، وفي الصورة تشويش وتشويه، والالتباس مفهوم، خصوصاً من القراءة غير المتخصصة وغير المتأنية.. غير المفهوم فهو التشويش المتعمد على الأذهان والتشويه المقصود للقرار، وكلا الأمرين يستوجب المناقشة. سأبدأ من موضوع انتهاك السيادة وما يردد في وسائط إعلامية وغيرها بأن القرار وضع اليمن تحت الوصاية الدولية. وأقول في البداية إن السيادة الكاملة لم يعد لها وجود في القانون الدولي إلا من الناحية النظرية، وأما من الناحية الواقعية فإن السيادة الناقصة هي السمة السائدة على مستوى أغلب الدول في المعمورة. ولن أتحدث عن الاتفاقيات والمعاهدات التي تلزم الدول بالتنازل طوعاً عن جزء من سيادتها للمجتمع الدولي كمعاهدات الحد من انتشار الأسلحة غير التقليدية، إذ تعطي المنظمات المعنية حق التفتيش والرقابة وتخول المجتمع الدولي بالتدخل في حالة التثبت من أن الدولة خالفت النصوص والأحكام الواردة فيها. وهناك الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات المنظمة للحقوق المختلفة أو المتعلقة بحماية البيئة أو غير ذلك من المجالات ذات الاهتمام الانساني العام الذي يحرم على الدولة الوطنية التصرف المطلق بشأنها بما يؤدي إلى الإضرار برعايا الدولة نفسها أو العاملين الأجانب فيها أو بقطاع منهم أو يتعدى ذلك إلى التأثير السلبي خارج حدودها. لن أتحدث في هذا، وهو كثير ومتشعب ولكن تكفي الإشارة إلى دور وتأثير الشركات متعدية الجنسية التي تستثمر بوسائل وطرق مجحفة مقدرات الدولة الوطنية وتنتهك بالتالي سيادتها الوطنية. ومن التعميم إلى التخصيص، فإننا نستطيع أن نجزم مطمئنين أن القرار السياسي والاقتصادي في اليمن كان على الدوام في أيدٍ خارجية. وربما كان من سلوك النعامة الحديث عن السيادة في بلد يقبض فيه كبار رجال الدولة مخصصات مالية من دول أخرى. وقد نشرت صحيفة متعاطفة مع الرئيس السابق على صفحتها الأولى بعد قرار مجلس الأمن عنواناً مثيراً من كلمتين «نهاية الاستقلال». وكانت إحدى الصحف نشرت من سنوات قليلة قائمة بأسماء شخصيات يمنية تتسلم مخصصات شهرية من دولة في الجوار وجاء على رأس القائمة علي عبدالله صالح «40 مليون ريال شهرياً». وفي أحد أحاديثه المتلفزة قال حميد الأحمر إن المملكة العربية السعودية قطعت مرتبات «هكذا بالحرف» إخوانه. سنقترب قليلاً من دائرة مجلس الأمن ونذهب إلى الدول العظمى وحلفائها، وسوف نرى أن الولاياتالمتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي كانوا جميعاً يشرفون على الحوارات السياسية بين المؤتمر الشعبي وأحزاب اللقاء المشترك خلال أكثر من عقد، ويجبرون الأطراف على عقد صفقات سياسية واحدة منها تمت في 2009 وتضمنت، بين أشياء أخرى، التمديد لمجلس النواب سنتين. سوف يقال إن الأمر لا يعدو توسط أصدقاء، ولكن لماذا الولاياتالمتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وليس روسيا والإمارات العربية ومن باب أولى جامعة الدول العربية؟. وماذا نسمي التعاون الأمني والعسكري مع الولاياتالمتحدة في مكافحة الارهاب والسماح لطائراتها الموجهة الكترونياً لتعقب وقتل عناصر تنظيم القاعدة. وأعود إلى قرار مجلس الأمن رقم «2140»، وأتساءل: لماذا نشأ الحديث عن السيادة والوصاية مع القرارين «2014»، «2051» سوى أن الأخير نص على عقوبات ضد أشخاص وكيانات لم نشعر مع القرارين السابقين بالحبال تلتف على رقابهم. إن القرارات الثلاثة هي نتيجة للوصاية لا سبب لها، وأبعد منه أن يكون القرار الأخير فاتحتها. الوصاية جاءت بها المبادرة الخليجية، وهذه تمخضت عن جهود سعودية بناءً على طلب الرئيس السابق مساعدة المملكة له للخروج من الأزمة. وبموجبها فرضت نوعاً من الوصاية لمرحلة يتم خلالها الحوار الوطني وصياغة الدستور وقانون الانتخابات وتأسيس المؤسسات الدستورية للدولة الجديدة. ومثّل توقيع الأحزاب السياسية على المبادرة موافقة صريحة منها على مبدأ وضع البلاد تحت الوصاية خلال هذه المرحلة المؤقتة، ثم جرى تعزيز الأمر شعبياً من خلال الاقبال الكثيف للمواطنين على انتخابات نائب الرئيس في ذلك الوقت عبد ربه منصور هادي رئيساً للبلاد بناءً على المبادرة وتنفيذاً لأحد بنودها. ولم تتخلف القوى السياسية الأخرى عن الموكب الذي سلّم للمجتمع الدولي رعاية مرحلة التحول، فالذين لم يشاركوا بالتوقيع على المبادرة في الرياض وأهمهم الحوثيون والحراك الجنوبي شاركوا في الحوار الوطني الذي قام على أساسها، وهم بهذه المشاركة وافقوا على المبادرة وما ترتب عليها، من الوصاية إلى الغواية. بموجب هذه الوصاية المؤسسة على المبادرة الخليجية أوفد الأمين العام للأمم المتحدة فريقاً للإشراف على جميع الخطوات الاجرائية والتشريعية اللازمة للانتقال باليمن من وضعها في 2011 إلى وضع يتفق عليه اليمنيون في مؤتمر للحوار الوطني، واقتضى هذا أن يساهم الفريق الدولي التقريب بين الأطراف وأن يرفع تقارير دورية بما تم التوصل إليه يتضمن جوانب النجاح ومواقع الاخفاق وأن يرصد ويحدد الأشخاص والقوى التي تعمل على عرقلة العملية السياسية.. وإزاء ما تأكد للفريق الدولي أنها عراقيل مقصودة اتخذ مجلس الأمن القرارين (2014، 2051) لإلزام المعرقلين بالتوقف، لكنه بعد أن تأكد عدم فاعلية القرارين بإقناعهم بتجنب إثارة العراقيل بالرضا صدر القرار الأخير (2140) الذي نص على عقوبات محددة «تجميد الأموال ومنع السفر» كما قضى، إضافة إلى ذلك، بتكوين لجنة تتابع أثر تنفيذ العقوبات برصد سلوك وتصرفات الأشخاص والكيانات المعنية في القرار وإضافة أية أشخاص طبيعية أو اعتبارية تدخل على الخط لعرقلة للعملية السياسية. في موضوع القرارات الثلاثة علي أن أشير إلى أن ميثاق الأممالمتحدة يعالج المنازعات بين الدول بهدف منع وإيقاف الحروب التي تهدد السلام والأمن الدوليين، ثم تطور تفسير مفهوم السلام ليأخذ المجتمع الدولي على عاتقه حق التدخل ضد دولة ليست في حالة حرب مع أخرى كما حدث في معاقبة ليبيا على لوكربي أو مع أطراف داخل الدولة كما يحدث في اليمن الآن. بناءً على الفصل السادس من ميثاق الأممالمتحدة لا تفرض قرارات مجلس الأمن عقوبات من أي نوع على المعتدين، ووفقاً للفصل السابع تفرض العقوبات على مرحلتين، اقتصادية في البداية تشمل المواصلات الجوية والبحرية والسكة الحديد والبرق والبريد واللاسلكي فإذا لم تفِ تأتي المرحلة الثانية وهي التدخل العسكري. في الحالة اليمنية تم الانتقال من القرارين (2014، 2051) إلى القرار (2140) تحت الفصل السابع ليتضمن عقوبات في مرحلتها الأولى، ولكن علينا أن ندرك أن القرار وضع أطرافاً معينة تحت طائلة الفصل السابع وليس الدولة اليمنية، وجاء التزام مجلس الأمن بوحدة واستقلال وسيادة اليمن تأكيداً لهذا المعنى. غير أن الجديد هو الإشارة إلى التحقيق في الانتهاكات لحقوق الإنسان خلال 2011 ما يوحي أن مجلس الأمن بات مقتنعاً أن الرئيس السابق وجماعته مشمولون بقانون الحصانة مارسوا أعمالاً بعد التوقيع على المبادرة الخليجية جعلت القانون في حكم المعدوم. ويبقى بعد ذلك أن المرحلة الثانية من العقوبات إذا تأكد للجنة المكلفة استمرار العرقلة ستتمثل في إلزام الحكومة اليمنية بالقبض على المتهمين فإذا كانوا جماعة مسلحة وجب عليها استخدام القوة دون حاجة لتدخل عسكري من الخارج كما يصور البعض قاصداً التشويه ومتعمداً التشويش. إن سيف الفصل السابع بهذا المعنى، مرفوعٌ في وجه المعرقلين لا في وجه اليمن.