من كهوف «مران» وجبال صعدة يدير شاب يدعونه ب«السيد» مراهقاته السياسية وحروبه العبثية، ونزواته الانتقامية، ضد خصومه وضد كل من يقف أمام مشروعه الانتهازي الدموي بأحقيته في حكم اليمن. تتلبسه عقلية الماضي والحنين إليه، بعنجهية مفرطة وغرور بالقوة والأتباع.. ويمارس فكرة التمييز والاصطفاء، بأنهم الأشراف والسادة وما دونهم عبيد.. لذا فهو يخوض حروبه على هذا الفكر، مدعياً لنفسه حقاً إلهياً بالحكم ليوهم أتباعه على خوض حروب مقدسة. تتوسع دائرة معاركه، ويختلق خصوماً وأعداءً جدد ليشن غاراته وحروبه المتنقلة من منطقة إلى أخرى، حسب أوامر أسياده وداعميه، فما أن تهدأ جبهة إلا وفتح للحرب والدمار جبهة أخرى، وما كان له أن يتوسع ويبسط سيطرته على المناطق التي تحت إمرته لولا مساعدة ثلة من عبيد المال ومشايخ الفيد والفجور في الخصومة مع مخالفيهم، ولولا بائعو شرف وكرامة الوطن في أسواق «السيد» القادم من أدغال التاريخ. يوهم نفسه وأتباعه بانتصاراته الزائفة، وانكسار شوكة خصومه، فتقوده نشوة نصره لالتهام المزيد، فتنفتح شهية حروبه بحقد وانتقام. فيخوض حروبه، نيابة عن قوى الشر والرافضة للتغيير، العنيفة لإسقاط مشروع الدولة، وقبل أن يكون واجهة لثورة مضادة، تؤمن بالعنف والقوة لتحقيق ما تريد. حججُ ومبررات واهية يسوقها الحوثي لتبرير حروبه المتنقلة، ونزعته التوسعية الانتقامية ضد أبناء وطنه، وبشعارات مثيرة للضحك والسخرية. بسط نفوذه على محافظة صعدة بحجة الدفاع عن النفس، ويريد السيطرة على «عمران» بحجة الدفاع عن المظلومين، ونفوذ آل الأحمر. خاض حروبه الشرسة في أرحب تحت ذريعة تأمين الطريق، لكنه انسحب منها ذليلاً، فانتقل إلى همدان بحجة ملاحقة المجرمين وقطّاع الطرق، وتحت شعار القرابة وصلة الأرحام. يُحارب ويُقتل يمنيون في همدان وأرحب فيهتف «الموت لأمريكا».. الموت لإسرائيل، قبل أن يطرد مواطني «دماج» يهود «صعدة» ثم أخرج الآلاف بالقوة والقسر من أهل دماج وشردهم من بيوتهم بحجة إخراج المقاتلين الأجانب، ويهتف بشعار «النصر للإسلام» واللعنة على اليهود. بنشر «المسيرة القرآنية» في عمران وهمدان وأرحب بتدمير المساجد.. ودور القرآن الكريم ينسف المدارس، ويفجر المراكز الدينية والمنازل.. ثم تراه يصرخ «الله أكبر.. النصر للإسلام» أي دين هذا الذي يأمرك بنسف بيوت الله، ودور العلم، ومنازل المواطنين الآمنين، إنها الرغبة في الانتقام والحقد، على الاعتدال والوسطية، والرغبة في نشر الفكر الطائفي بقوة السلاح بعد أن عجز عن نشره بالسلم والثقافة والحوار. يطالب بإيجاد الدولة وفرض هيبتها، وهو يقضم أطراف الدولة بعنف ليؤسس مشروعه الانتهازي. يطالب وينادي بالدولة المدنية، وهو يمارس الاستبداد والكهنوتية، يطالب ويدعو إلى الحقوق والحريات، وهو يسوم معارضيه القمع والتشريد، وسوء القهر والإذلال، فلا صوت يعلو على صوت «السيد» يغلق الجوامع في وجوههم إلا جوامع مناصريه، يفرض منهجه وفكره بالقوة. الحوثي.. مثال واضح للاستبداد المذهبي بقوة السلاح والعنف، يريد أن يفرض ما يريد، لكنه لا يعلم حقائق التاريخ بأن الفكر لا يُنشر إلا بالسلم، وأما العنف فهو يؤدي إلى زوال الفكر وحامله. وكل هذا العنف والدمار والخراب الذي تنشره جماعة الحوثي دليل على قرب زوالها، فلقد فعل إمامهم يحيى نفس ما يفعله اليوم حين أمر بهدم بيوت الثوار وتشريدهم وإعدام رموزهم، وتحضرني أبيات شعرية قالها الثائر الشهيد زيد الموشكي، وكأنها اليوم ساخراً من الإمام حين هدم منزله: لله درّك فارساً مغواراً طعن السقوف ونازل الأحرارا لم يبق في كفيّك إلا معولاً تؤذي به طفلاً وتهدم دارا يا من هدمت البيت فوق صغاره شكراً فأنت جعلتنا أحرارا شلّت يداك وعُطّلت عن كل ما تسدي جميلاً أو تشيد منارا سنّيت في الشعب الخراب فلن ترى من بعد إلا ثورة وغبارا وبعد.. لا سبيل أمام الحوثي ودعاة العنف سوى الجنوح للسلم والانصياع لإرادة القانون والاحتكام للدولة والرضوخ لإرادة الشعب والدخول في شراكة وطنية لبناء اليمن.. مالم فإنهم بأفعالهم هذه سيكونون في مواجهة مع الشعب.