بمراجعة سريعة لأسباب الحروب ومتتالياتها التراجيدية المؤلمة؛ سنكتشف أن ما يبدو سبباً واهياً وبسيطاً يحمل في طيّاته أبعاداً كثيرة، ففي حرب «طروادة» الشهيرة على عهد اليونانيين القدامى؛ شنّ الطاغية «اجاممنون» الحرب على مملكة طروادة المزدهرة بسبب هرب «هيلين» الفاتنة مع «بارس» الوسيم؛ غير أن سدنة إشهار الحرب كانوا يفكّرون في تدمير طروادة لمآرب أبعد ما تكون عن الانتقام أو الثأر لهرب ابنة الملك مع بارس ابن ملك طروادة. دُعاة حرب طروادة لم يدمّروا المملكة؛ بل دمّروا حضارة بكاملها، وأبقت لنا مدوّنات التاريخ أقدم بؤس لحرب خسيسة شُنّت من أجل المُلك «بضم الميم». في حرب «الداحس والغبراء» الشهيرة والتي امتدت على مدى 40 عاماً كان السبب الواهي مرتبطاً بسباق للخيول، لكن مآرب تُجّار الحرب للحرب كانت أبعد من ذلك بكثير؛ لقد تملّكهم الجشع والتوق إلى السيطرة، فإذا بالمبرّر الأول يفجّر مبرّرات جديدة، وهكذا ساروا في المتاهة «حتى تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشم» كما قال الشاعر الحكيم زهير بن أبي سلمى. كما قال زهير أيضاً: وما الحرب إلا ما علمتم وذُقتم وما هو عنها بالحديث المُرجّم متى تشعلوها تشعلوها كريهة وتضرى إذا ضرّيتموها وتضرم وهذا ما كان، حتى حصحص الحق، وبطل ماكانوا يفعلون. دُعاة الحرب في الساحتين العربية واليمنية هم الذين يبادرون في استخدام السلاح، ويتسبّبون في قتل الأبرياء، ولأسباب واهية ما أنزل الله بها من سلطان. هذا النفر من المأفونين بالدم وتجارة الحرب لا يدركون أبعاد ما يعملون، وهم إذ يوغلون في الدم يمهّدون لمزيد من الدماء، فالصابرون الآن على المكاره لن يظلّوا على حالهم، والمستمسكون بجمرة التعبير السلمي عن الذات لن يبقوا في ذات المربع إلى أبد الآبدين. ولنا في الجارة القريبة «الصومال» عبرة وأية عبرة، ذلك أن قبائل «الرحنوين» التي عُرفت تاريخياً بعشق السلم والصلح بين المتقاتلين القبائليين «الأشاوس» وعدم استخدام السلاح البتة؛ هذه القبائل تحوّلت اليوم إلى قبائل مقاتلة شرسة، وذلك بعد أن فاض بها الكيل، وزادت الاستباحات، فهل نعتبر من التاريخ..؟!. [email protected]