نصنع من الغموض فلسفة استثنائية تخدم رغبتنا الجامحة بالهروب من واقع ربما لم نستوعب عبثيته بجغرافية الانتماء، ولم نستدل على وجود استقراره في كينونة الشعب الذي يبحث عن مفهوم آخر للوطن ومصطلح آخر للمواطنة ليستمر في السير نحو اللا شيء بكلمات فلسفية تتسع له مداركه المحصورة بثقافة الشيخ والقبيلة والسلاح. أتذكّر قبل فترة أني كنت أتحدّث مع رجل ستّيني؛ وفي نهاية حديثه قال لي بسخرية: أنتم جيلٌ عاجز حتى أن يكون جباناً. تجاهلت كلامه؛ أو بالأصح لم أحاول فهم مقصوده، اكتفيت بالصمت وهو ابتسم وغادر، وبعد أيام التقيته قال لي: نحن لا نهرب من الواقع؛ بل نسايره أو نغيّره ليشبه إرادتنا، أما أنتم فعاجزون حتى عن الهروب. لا أدري لماذا تذكّرت الآن هذا الموقف، ربما لأني شعرت بالعجز فعلاً وأننا غير قادرين حتى على الهروب ليس بمنطق الهجرة؛ ولكن بفلسفة البحث عن وطن قادر أن يدرك مدى الحاجة إلى أرض تحتضن أبناءها بفطرة الانتماء وليس بالجغرافيا؛ لأنها ليست أكثر من مساحة؛ إن كانت هي المراد يمكن أن يتسع لك الكون. لذا ربما نحن فعلاً عاجزون عن أن نجد وطناً آخر حتى ولو بمفهوم فلسفي، فكل محاولة للهروب تتنافي مع منطق الولاء لجيل مؤمن بأن الثورة هي التي تصنع وطناً خالياً من العبث وليس بالبحث عن البديل الذي لا يمت إلى الشموخ بصلة سوى أنه قادر على أن يلبّي متطلّبات الحياة بشكل أكثر إنسانية من الخذلان المعاش بشكل يومي في وطن دفعت به السياسة باتجاه استحقاق ظالم؛ معايير المفاضلة فيه من يساوم بعزّته واستقراره مقابل مصالحه التي اعتاد على أن لا تنقطع حتى لو كان الثمن هدم قيم التعايش والسلام. بقايا حبر: أدركت أن.. الثورة حلم مسفوح الشمس من حينها، وأنا التمس للوطن ألف ظلام..!!. [email protected]