- د. عمر عبد العزيز .. منذ سنوات خلت شرعت الإدارة الأمريكية في تبني برنامج شامل لتفكيك البنى القائمة في العالم العربي سواء من خلال تشجيع مشاريع التعددية السياسية المفصلة وفق خصوصيات الأنظمة العربية، العرب، أو من خلال تقديم الإرشادات والنصائح لأكثر الدول العربية إقامة في الحاكمية الاتوقراطية، أو من خلال شن حروب مباشرة على تلك الدول التي تجاهر بالرفض وتصر على الاستمرار في ما اختطته لنفسها، كما حدث مع العراق، أيضاً اعتماد سياسات الحصار وتشديد الخناق التي أثمرت في الحالتين الليبية والسودانية، ومازالت تشتعل على خط دمشق بالرغم من مناورات النظام السوري ودبلوماسيته الممسكة بالعديد من الخيوط المعقدة في المنطقة. لقد تواترت سلسلة النصائح، ثم «روشتات» الإصلاح المقدمة للأنظمة العربية. وبدأ التفكيك الفعلي للبنى المستغلقة في عوالم العرب الشمولية البائدة وبدرجة لم يتوقعها أكثر المراقبين دراية بتراكيب ومرجعيات تلك الأنظمة؛ مما يشير مجدداً إلى نجاح أمريكي في هذا المستوى بعكس الحال في العراق وافغانستان اللتين تحولتا إلى بؤرتي إزكام لأنوف «العالم الحر» وإدانة للعسكرية الأمريكية سواء في السلوك أم القدرة على حسم الأوضاع الأمنية الداخلية بنفس فتوة الحسم العسكري بالصواريخ والطائرات. إلى ذلك باشرت الإدارة الأمريكية منذ فترة حملة إعلامية منهجية موجهة للعرب في الداخل والمهاجر وتركز على الجانب الفضائي بوصفه الحامل الأكبر للإشارات الإعلامية المركبة والقادرة على مخاطبة مختلف الشرائح الاجتماعية والذهنية. بعض هذه الإشارة مزروعة أساساً في البيئة العربية وتستفيد من الكوادر العربية في تعبير دراماتيكي عن مفارقة الانتلجنسيا العربية للسائد في خطاب الإعلام الرسمي والذي تكتشف من خلال النجاحات الملحوظة لتلك الفضائيات. ولأن المجال لا يتسع لجردة حساب دقيق لمدى نجاح الرسالة الأمريكية في تفكيك البنى العربية السائدة، فإن الحديث سيتواصل لاحقاً.