يجوز للفنان أن يختزل موضوعه منتخباً أكثر الأشياء فظاظة أو جمالاً. وله أن يحيل عالم الأنثى الناعم المخملي إلى عالم «ذكوري» أكثر قسوة، ويجوز في الفن مالا يجوز عقلاً ومنطقاً، فالفنون رديفة الأوهام والتصوير والتجويز والابتكار والتجريب والاختصار والانتقاء والانتخاب الممعن وما إلى ذلك. لا يقول الفنان ما يراه ولاما يسمعه، بل يقول ما يريده وبالكيفية التي تنساب عبر لغة الفن القائم في الوهم والظن وتعدد الدلالات. ولهذا يمكنني ان أصور كوندوليزا رايس أو غيرها من البشر بالطريقة التي تومئ بتخريجاتي الذهنية الموصولة بأساس التفاعل مع الآخر الرائي والقارئ. يقول الشاعر: غير أني قائل ما أتاني من ظنوني مكذب للعيان آخذ نفسي بتأليف شيء واحد في اللفظ شتى في المعاني قائم في الوهم حتى إذا ما رمته رمت مُعمى المكان لكن هذه اللعبة خطرة للغاية ومصائدها من الكثرة والغرابة إلى درجة الاختلاط بالأيديولوجيا الأكثر وقاحة وفجاجة. ففي تاريخ التشكيل تحديداً مئات المسميات للفنون التفريعية على المدرسة التأثيرية، وهي تفريعات نبتت كالفطر السام وانتهت بنهاية مجانينها. أدرك تجار الفن وخادمو المؤسسات المالية والاستثمارية الدولية أهمية توزيع الأوهام، وسارعوا على مدى سنوات طويلة من الخبرة في استخدام الفن كوسيلة للترويج، وطريقة للسيطرة على الناس، فكانت التقليعات تجد طريقها إلى الملابس والأدوات ونمط الحياة، وأصبحت أدوات الفن الخاصة بمثابة معول لهدم الأخلاقيات، وطريقة مثلى لتعويد الناس على أنماط حياتية مغايرة لطبيعتهم الأصلية، وأصبح الحديث عن «الإنسان ما بعد الإنسان» متداولاً في الأدبيات الاجتماعية والنفسية المعاصرة، مما يضعنا أمام أقسى الأسئلة واكثرها جذرية: إلى أين نحن سائرون؟! [email protected]