كثر الجدل حول حوار وصدام الحضارات كأنهما ليسا عملة واحدة ذات وجهين. والحقيقة أن الحوار والصدام أصل كبير في ناموس التطور والكون والمجتمع.. فالتناقض يشمل كل أوجه الحياة، حتى إننا نستطيع القول إن كل النسبيات المعروفة تقف خاضعة لحقيقة واحدة هي التناقض.. فالتناقض نسبي ومطلق.. وله طرفان .. ويدور بين الطرفين جدل حواري لا ينقطع. هذه الحقيقة كشف عنها علماء الجدل من أنصار الفلسفة المادية، وحينما قالوا ذلك قرنوه بأنهم لم يخترعوا أو يبتكروا هذه الحقيقة؛ بل توصلوا لها من خلال معاينة القوانين الموضوعية التي تحكم تطور البيئة الطبيعية والبيولوجية، وكذا عناصر المادة من أصغرها حجماً إلى مستوى الأكوان التي تدور بذات القوانين الإلهية الثابتة. بسّط الرئيس الصيني الأسبق (ماوتسي تونغ) هذه المقولات في مقالة قصيرة تتسم بدرجة عالية من الوضوح والمباشرة التي تتصف بها لغة الحوار الصيني.. في تلك المقالة تحدث (ماو) عن أن التناقض يتم بين طرفين، وأنه قانون مطلق نجده في مختلف جوانب الحياة كالعلاقة بين النيوترون والبروتون في الذرة، والموجب والسالب في الكهرباء، والناقص والزائد في الحساب، والتفاضل والتكامل في الجبر. وعلى المستوى الحيواني نجد أن الكائن البيولوجي محكوم بملايين الخلايا التي تموت بمقابل ملايين تنشأ وتكتسب حياة جديدة.. وإذا ما اختل هذا التوازن يصاب الجسم بالعطب وينتقل إلى شكل آخر مندثراً بوصفه حالة فيزيائية كالتي نراها أمامنا. بالطبع نلحظ هنا استبعاد الميتافيزيكا.. وتلك مثلبة الفكر المادي الكبرى التي لسنا بصدد الوقوف عليها تفصيلاً هنا. واعتبر ماو أن طرفي التناقض في حالة جدل صراعي مستمر حتى ان هذا الجدل الصراعي هو سبب النماء والتطور.. وإذا ماكف لسبب ما انتهى التناقض ذاته وانتقل إلى طور جديد.