حمل قانونيون واختصاصيون آثاريون نصوص القانون الحالي للآثار جزءاً من مسؤولية الخراب والنهب والدمار الذي يلحق بمواقعنا الأثرية والتي تجلت بصورة صارخة في حادثتي نهب موقع العصيبية بمديرية السدة وسرقة متحف العود بمديرية النادرة بمحافظة إب. الدكتور عبدالباسط الحكيمي أستاذ القانون الجنائي بكلية الشريعة جامعة صنعاء يرى أن قانون الآثار ساعد على انتشار جرائم نهب وتدمير المواقع الأثرية، وذلك بإعطاء المواطن إلى ما قبل عام 1997م حق التملك للآثار وشجعه على المتاجرة بالآثار والتصرف بها في البيع والشراء والتصدير. ويضيف الدكتور الحكيمي: على الرغم من أن الآثار ملكية عامة إلا أن القانون قد أعطى المواطن في بداية الأمر الحق في تملكها، كما خص قانون الآثار الأخير رقم (8) لسنة 1997م الهيئة العامة للآثار والمتاحف وحدها بمسوؤلية حماية الآثار وصيانتها وترميمها وهو ما أعطى الهيئة حق السماح لمالك العقار بالقيام بعملية الترميم والصيانة.. زيادة عن عجزها في حماية المواقع الأثرية. تعديل القانون و انتقد الحكيمي النصوص العقابية التي نص عليها قانون الآثار الحالي والتي بحسب قوله ركيكة ولا تحقق الحماية الجنائية الكافية للآثار.. منوهاً بالمادة (40) التي اكتفت بفرض عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز (15.000) ريال أو بالعقوبتين معاً لكل من حاز أثراً منقولاً بالمخالفة لأحكام هذا القانون، أو خالف شروط الترخيص له في الحفر الأثري أو نقل بغير إذن كتابي صادر من الهيئة أثراً مملوكاً للدولة أو نزعه من مكانه، حول المباني أو الأراضي الأثرية إلى مسكن أو حضيرة أو مصنع أو مخزن أو زرعها أو أعدها للزراعة أو غرس فيها أشجاراً أو أقدم على الاعتداء عليها بأية صورة كانت مع إزالة ما أحدثه. كما انتقد الفقرة الثانية من المادة (39) والمعدلة في القانون رقم (8) الذي اكتفى بمعاقبة كل من يهدم أو يتلف أو يزور عمداً أثراً منقولاً أو ثابتاً أو يشوهه أو يغير أو يطمس معالمه أو يفصل جزءاً منه أو يتعمد إخفاءه أو يشترك في ذلك بعقوبة الحبس لمدة لا تزيد عن (ثلاث سنوات)، أو بغرامة مالية تساوي الأثر أو بالعقوبتين معاً. ونوه الحكيمي بأن الفقرة الثانية من المادة والتي عاقبت كل من سرق أثراً أو جزءاً من أثر مملوك للدولة أو اشترك في ذلك بالعقوبات المنصوص عليها في أحكام الشريعة الإسلامية مع مصادرة جميع الأشياء المستخدمة في تنفيذ الجريمة لصالح صندوق دعم الآثار.. مضيفاً: بينما الشريعة الإسلامية لا تعاقب في هذا البند بعقوبة الحد الشرعي، و لكنها تعاقب بعقوبة تعزيرية وهي الحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات، وذلك لوجود شبه الملكية العامة والتي تسقط حد قطع يد السارق. مشيراً إلى عدم قيام الهيئة العامة للآثار والمتاحف حتى الآن بمهامها سواء بتحديد المواقع والمناطق الأثرية وإحاطتها بسياج وفرض الحماية وفرض الحراسات اللازمة خاصة وأنه قد مضى على تفويضها بذلك عقد كامل. شرطة اثرية ..أين؟ ونوه إلى غياب الشرطة الأثرية التي تعنى بضبط وتتبع وملاحقة جرائم الآثار ومقترفيها والتي ربما بسببها تعطل دور النيابة الوحيدة للآثار وتقديمهم للمحاكمة.. داعياً إلى تعديل القانون بما يحقق الردع الكافي والفاعلية والحماية الجنائية الكاملة وهو ما لا يتحقق إلا بتقديم مقترفي جرائم الآثار للمحاكمة وإنزال العقوبات الصارمة والرادعة لهم.. كما لا يتأتى ذلك كله إلا بوجود شرطة أثرية مدربة ومتخصصة تنقطع لأعمال ضبط المخالفات ومرتكبي جرائم الآثار بما يحقق الضبط والوقاية قبل وقوع الجريمة. ويضيف الحكيمي: إنه على الرغم من ركاكة النصوص العقابية التي فرضها القانون إلا أن هذا القانون بوضعه الحالي لم يفعّل حتى الآن وهو ما استهان به المواطنون والشخصيات الاجتماعية والمسئولة لتمارس أعمال النبش والنهب للآثار وتهريبها مدللاً بما حدث مؤخراً في مديرية السدة بإب.. مختتماً قوله: ليصح لنا القول "إن حاميها حراميها". تفعيل القانون من جهته يرى الدكتور صالح الضبياني أستاذ الفقه المقارن كلية الشريعة جامعة صنعاء أن المشكلة مشكلة تفعيل القانون وتنفيذه وليست مشكلة تعديله لأن المشكلة مشكلة مساس بالآثار إذا كانت تمس الملكية العامة فينبغي الحفاظ عليها وعدم المساس بها والتعرض لها يعتبر تعرضاً للممتلكات العامة والمال العام، حتى وإن كانت هذه الآثار شخصية "أي موروثة عن عشائرهم وقبائلهم"، فعلى الدولة أن تبذل جهدها في سبيل تعويض أصحابها والحفاظ عليها كتراث للبلد وأن تزاح ملكيتهم بتعويض عادل. وحول الاعتداءات على الآثار وتدميرها بحثاً عن الكنوز.. يضيف الضبياني: على الدولة تنفيذ قانون حصر وحماية المواقع الأثرية وتوعية الناس بأهمية الآثار، لأن الناس إذا أدركوا أن هذه الأمور محظورة عليهم وفق القانون المستمد من الشريعة الإسلامية فسينقادون لتنفيذه، فنحن لا ينقصنا تقنين ولكن ينقصنا تنفيذ للقانون الموجود. العقوبة .. السجن المؤبد بينما يؤكد الدكتور عبدالمؤمن شجاع الدين أستاذ القانون الجنائي كلية الشريعة جامعة صنعاء أن القوانين قد جرمت الاعتداءات بشتى الأشكال قائلا: لا يحق لأي شخص غير مأذون له قانوناً الاعتداء على الآثار أو القيام بالتنقيب أو العبث بالآثار سواء لحيازتها أو التصرف بها أو عرضها، كونها إرثاً قومياً ووطنياً عاماً لا تختص به منطقة بعينها أو شخص بعينه، وملكيتها ملكية عامة، والدولة هي المسئولة عنها.. مشيراً إلى ما شددت عليه قوانين الآثار في العالم فيما يتعلق بحيازة الآثار أو التنقيب والعبث بها وتشويهها أو البحث عنها بدون ترخيص، كونها إرثاً قومياً وطنياً عاماً لا يقتصر أثره على مالكها فحسب وإنما يتعدى أثره على عموم المواطنين، منوهاً بقيام محكمة الجنايات الكبرى في القاهرة بحكم السجن المؤبد على الأشخاص الذين حاولوا الاعتداء ونبش بعض مقابر الفراعنة في أسوان عام 1980م. وقال شجاع: لذا نعجب كثيراً عند سماعنا بقيام بعض الأشخاص بالتنقيب والحفر بحثاً عن الآثار وادعائهم بملكية هذه الآثار والمكتشفات، وهو ما يحظره القانون ويعده اعتداءً جنائياً يعاقب عليه بأشد العقوبات. وفيما يخص الآثار الموجودة في باطن الأرض المملوكة لأشخاص يستثني الدكتور عبدالمؤمن شجاع الدين (الآثار) من ادعاءات أصحاب الأرض ملكيتها كونها بحسب قوله ليست من حاصلات الأرض أو ملحقاتها كالأشجار والأحجار التي يتملكها الأشخاص.. بل يعدها كالمياه والمعادن من بترول وغيره والتي لا يتملكها الأشخاص بل تعد وفق نصوص قانونية واضحة من الموارد العامة التي تتولى الدولة صرف عائداتها على المجتمع ومصالحه العامة. وأضاف: وكان قانون الآثار رقم (8) للعام 1997م في بابه الثاني المادة (8) الخاصة بملكية الآثار تضمن في حالة وجود آثار ثابتة في أرض تثبت ملكيتها للأفراد وتقتضي المصلحة العامة المحافظة على تلك الآثار في موقعها كمعلم أثري فيحق للهيئة مباشرة إجراءات نزع ملكيتها وتملكها مقابل تعويض عادل وفقاً لقانون الاستهلاك للمنفعة العامة، ولا يدخل في تقدير قيمة الأرض المنزوع ملكيتها قيمة ما بها من آثار.