شباب يسكنون قُراهم ، ويعمدون في وديانهم ومزارعهم ، وآخرون يتجهون صوب مناهل التعليم ، الذي لم يكتمل بعد .. فهم لا يواكبون تطورات العصر فكثير منهم لا يجسد التعامل مع تقنياته، ليست البلادة ،بل هي العزلة ، فهم هناك حيث نبع عوائدهم المحدودة ،نمير مردودات إنتاجهم الزراعي الزهيد .. ومع ذلك نجدهم على هامش ذاكرة الجهات ذات العلاقة بالاعتناء، فلا وجود لمعاهد فنية ومهنية وما إليها من المراكز التي من شأنها الدفع بقدراتهم لمجاراة زخم الشعوب السامقة في سلالم الرقي ، ويأتي حال الأنثى إلى جانب حال الذكر وربما أقل شأناً منه ، وكم هي الفتاة في تلك المقطوعات بحاجة إلى من يأخذ بيدها 'في سبيل إكسابها ولو معارف متواضعة و مهارات أولية من شأنها أن تسهم في حل الكم من الإشكالات التي تبرز بين أوصال مجتمعها بشدة ، كأن تتلقى تدريبات في مجال الإسعافات الأولية، وفي فن الخياطة والتطريز ، و...، فأقل ما يمكن أن يحدثه مثل ذلك، قليلاً من الوعي الصحي والاجتماعي إضافة إلى تحسين مستويات المعيشة لدى الكم من الأسر المنهكة في اقتصادياتها، إضافة إلى ما لمثل تلك الجهود من إزاحة الشباب عن مخاطر الفراغ المطبق على رتابته في ماهياتهم، بالمعاهد والنوادي الرياضية والثقافية، يكون انتشالهم من براثن القواقع المحشوة بمتناثراتهم، بالتعرف عليهم عن قرب والجلوس إلى طاولات مداركهم المهجورة ، والعمل على إيقاد التطلعات وزرع الأحلام المستنفرة نحو غد مُفرح بالضرورة . وفي هذا المضمار كان لنا وقفات قصيرة ، نزودكم من خلالها بنخب من العتب الذي تشظى عن حناجر الشباب المبحوحة ، وجملاً مترددة على شفاهٍ شَفَّها ظمأ السؤال ، شباب يتوق إلى من ينظر في شأنهم ، ويخلق منهم المواهب ، ويفجر في جماجمهم حمم الإبداع ..يحررهم من التسمر عند عتبات مشاكلهم ويحل عُقلةً تشدهم إلى أكثر من همٍ ويبعث في كينوناتهم أكثر من داعٍ للإحباط . وفي هذا التحقيق سأعمل على سرد ما ورد على ألسنة العينة من الشباب ..شباب الريف: دعوة للاستثمار الشاب- مختار الحماسي - من ريف محافظة صنعاء يقول : ( يعاني الشباب كثيراً من مشكلات العصر ، ولم يلق الاهتمام من أحد .. فإن تكلمت عن الزراعة ، فهناك شباب يترك الدراسة للتفرغ للعمل فيها ، وهنا من يكمل دراسته ويعود إلى الحقل ، والكثير من الشباب بأسرهم في الريف لا يلقون المساندة من حيث توفير الآلات والمعدات الزراعية ، وحفر الآبار ولو بالتقسيط ، فبيس هناك ما يُشجع على الإنتاج الزراعي في الأرياف، هي إشكالية تضخم حجمها بعد اقتلاع أشجار البن والفواكه ، واستبدالها بالقات ، الذي أصبح له أسواقه ويحقق مردوداً مادياً لا بأس به ، وبصفتي شاب ريفي ، أدعوا المستثمرين إلى التوجه نحو هذه المناطق ، والعمل على تطويرها واستغلال أراضيها في زراعة الحبوب بأنواعه ، وحتى يُتاح لنا بعد ذلك أن نأكل من خيرات أراضينا بدلاً من السعي وراء من يعيرنا الأطنان من الحبوب مقابل الحجم من خامات الوقود). نقص في التعليم حسان عبد الله نشوان ، يتحدث من جهته : ( إن ما تحقق لشباب الريف اليسير إذا ما قورن بما لشباب المدينة ، وبالأخص في مجال التعليم ، ففي مدارسنا الريفية يتضاعف الإهمال ، ويتوارى الاهتمام بتشجيع الطلبة المتفوقين ، ناهيك عن غياب المكتبات في المدارس . ويضيف قائلاً : لا وجود للمعاهد المتخصصة في مجالات الصحة واللغات والكمبيوتر ، مع أن الكثير من شباب الريف يرغب بالالتحاق بمثل هذه المعاهد .. ، ومن جانب أخر فهو يرى أن غياب الوعي الكافي بأضرار ومخاطر القات ، وحمل السلاح خصوصاً من طرف الشباب من جملة العوائق الهامة ، وراء تدني ثقافة الريفيين ، وأحياناً نجد أن طول المسافة بين القرى والجامعات في المدن يحد من انضمام الشباب في سلك التعليم العالي أو الجامعي ) تأخر ومعاناة ومن ريف المحويت الشاب- ماجد شوتر- سارداً : ( تتوفر لشباب المدينة الفرص للتعلم والبيئة للطموح والإبداع ، ففي متناولاتهم أكثر من وسيلة تكنولوجية ، أجهزة الحاسوب ،وشبكة الإنترنت،والمعاهد التخصصية ،والجامعات ، العامة والخاصة، وسبل النقل ووسائل المواصلات ، وغيرها مما لم يتوفر لدى شباب الأرياف ، أولئك المنسيين في قراهم النائية ، حيث القصور الحاصل في التعليم ن كعدم توفر مدرسين في الرياضيات والإنجليزية في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي ،ومن توفق وتجاوز المرحلتين ، تقف المسافة دون التعليم الجامعي بالإضافة إلى ندرة وسائل الموصلات والتي تعد من أكبر المشاكل أمام من أراد الالتحاق بالجامعة الواقعة في المدينة ، ومن يريد أن يحصل على دورة في الحاسوب،أو في إحدى اللغات ، فخمسة ألف ريال رسوم الدورة ،يقابلها عشرون ألف ريال أجرة التنقلات ، وبين الدخول والخروج المتكرر من وإلى المدينة يُصاب شباب الريف بشيء من الضمور المعنوي ، إنما نحاول أن نقاوم وشعارنا في ذلك من أراد أن يتعلم فعليه أن يعاني، ويسأل شوتر نهايةً من يهتم بأمر هؤلاء الشباب ؟. مشاكل متعددة وفي ذات السياق تحدث الشاب - أكرم عبد الله حسين قائلا :ً) يواجه شباب الريف مشاكل عدة منها : الفراغ والحيرة في كيفية قضائه، فالكثير منهم يتجهون صباحاً إلى مزارعهم دونما فائدة ، فالمحاصيل بسيطة جداً ، وإما لغرض الحصول على ( الولعة) القات ، ومساءً يعكفون على مضغ أوراقه كل في شعب وزاوية ، وكثيراً ما يترك الشاب التعليم ويلتحق بالجيش ، بسبب مشاكل مادية أو تعليمية ، أو اجتماعية، فمنهم من يتزوج ولا يزال طالباً ، فتحتم عليه المسؤولية الركض وراء توفير احتياجات الأسرة ولا أكثر من ذلك ، ومثل هذه المعضلة من مسفرات نهج الآباء ،- وينتهي كمال هو الآخر بسؤاله- "فما رأيكم بما يحدث يا أباء؟" . الزواج المبكر ومن جهته عزف الشاب : طه حسين على قيثارة الزواج المبكر التي يتردد صداها في الأرياف مترنماً:" نظراً لتحمل الآباء مسؤولية الإنفاق على أبنائهم ، يعملون على تزويجهم كوسيلة للخلاص من مطلوباتهم ،وحتى يبدأ الأبناء في تحمل الأعباء والاعتماد على أنفسهم في طلب الرزق، وبهذا يوضع الشباب - زُغبُ الحوا صل- تحت ركامات التبعات التي يعجزون عن إياد الحلول لها لأسباب مادية أو ما عداها ،- وفي الوسط الأنثوي يعلو نشيج المأساة - إذ يضيف طه القول: تكثر الظاهرة بين الفتيات ، مما يلحق بهن الأضرار البالغة سواء في الناحية الصحية وما في صراعهن مع أعباء الحياة من أجل البقاء، ونتيجة لما سبق فإن ازواج المبكر يقضي على أمال وطموحات الشباب ويصرفهم عن بنا المستقبل المنشود ، وعليها فنحن أبناء الريف ومجتمعاتنا بحاجة ماسة إلى التوعية". إلى من يهمه الأمر ويقول الشاب - حسين صالح مفتاح - : " إن الأسعار تؤثر في كل ما يفعله الشباب ، فنجد أن طموحات الشباب الريفي محدودة جداً ، فما إن يلحظوا فشل سابقيهم في تحقيق طموحاتهم في مجال التعليم ، فلا يتراجعوا عن الالتحاق بالجيش ليضمن الفرد راتباً يكفل العيش ، تاركاً الدراسة مضطراً ، ليصرف على أسرته، كما نوه على أن الآباء مقصرون من ناحية متابعة أولادهم ، والعمل على إرشادهم حتى لا يقعون في منعطفات الانحراف الفكري والأخلاقي والتفكير بأشياء كثيراً لا تسمح لهم أعمارهم بالتفكير بها كالزواج ، وحمل السلاح وغيرها، أما عن قضية نجاح الطلاب في المدرسة ، فإن درجات الطلاب في المواد الدراسية بأكياس من القات تُعطى للمدرسين،والعملية متاجرة، كل هذا يحدث والمجتمع لا يقدر ما يعانيه شباب الأرياف من مشاكل نفسية وعائلية وإدمان للقات والدخان والشمة، وهذه رسالتي أوجهها إلى كل من يهمه الأمر. ألمٌ وأمل ويختم المطاف الشاب - فايز الحوات- بقوله:" إن قضية الشباب مهمة ولا يجوز التهاون بها ، لأن الشباب هم من تقع عليهم المسؤولية في بناء الأوطان ، فهم أمل الأمة ومستقبلها ، وبهم يتحقق النصر ، يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ( نصرني الشباب وخذلني الشيوخ ) وعندما ننظر إلى واقع الشباب الريفي نجد أن الألم والمعاناة راجع إلى أن الكثير منهم لا يهتم بالعلم ، حيث يعاني من الفراغ ، وتبعات الانحراف والانحطاط الأخلاقي ، تأثراً بالشاشات الهدامة ، وكثيراً ما يأتي ذلك على إثر عدم الاهتمام بشباب الريف ، وتزويدهم بالنوادي الرياضية والثقافية التي تمكنهم من استغلال أوقاتهم بالطرق السليمة ، وعليها كان لزاماً على الجهات العامة والقطاعات الخاصة النظر في أمر هذه الشريحة من شباب المجتمع والوقوف عند مشكلاتهم ومراعاة احتياجاتهم ، لنكسب جيلاً وطني تكون بهم نهضة المجتمع وتقدمة ونصرته .