تحتل تربية النحل وإنتاج العسل مكانة متقدمة في قائمة النشاطات الاقتصادية في وادي حضرموت الذي يعد واحداً من أشهر المناطق اليمنية في إنتاج العسل المعروف باسم عسل" دوعني". وقد اشتهر وادي حضرموت (سيئون) عبر التاريخ الوسيط، بإنتاج أجود أنواع العسل على مستوى اليمن والعالم، ساعدها في ذلك ما تتميز به مناطق حضرموت الداخل من انتشار للمراعي النحلية الخصيبة والكثيرة وكثافة الطوائف النحلية المتواجدة فيها والمقدرة بحوالي 70 ألف طائفة نحلية. وتذكر الدراسات،أن تربية النحل في محافظة حضرموت، ظلت طوال السنوات الماضية، محصورة في فئات قليلة من الناس القاطنين في بعض مناطق وادي حضرموت وأهمها أودية دوعن، عمد والعين، التي ساهمت ظروفها المناخية والطبيعية بانتشار عدد كبير من مراعي النحل فيها.. وخلال السنوات الأخيرة أدى ارتفاع سعر العسل وزيادة الطلب عليه إلى اتجاه الكثير من سكان حضرموت نحو إنشاء المناحل وتربيتها والإتجار بالعسل مستفيدين في ذلك من المزايا المناخية والطبيعية المتوفرة، والخبرات المتوارثة في تربية النحل وإنتاج العسل لتتحول تربية النحل إلى نشاط إقتصادي يعتمد عليه كثير من السكان في محافظة حضرموت خصوصاً بعد دخول مرحلة التصدير إلى الخارج . طرق إنتاج تقليدية تتسم صناعة تربية النحل وإنتاج العسل في حضرموت بالعديد من المزايا التي تنفرد بها المحافظة عن غيرها، وهي في الغالب ميزات متوارثة استطاعت الصمود بقوة أمام الطرق الحديثة في تربية النحل وإنتاج العسل.. ويستخدم معظم النحالين في حضرموت الخلايا التقليدية (المحلية) في تربية النحل ورعايتها وهي في غالبيتها مصنوعة من الطين وجذوع الأشجار والصناديق الخشبية ، ويقوم النحالون عادة بتجميع النحل في هذه الخلايا ورعايتها، كما يقوم الغالبية منهم بنقل خلاياهم إلى المراعي الواقعة في إطار المحافظة للحصول على الغذاء اللازم وبخاصة من أشجار السدر، «العلب» والسمر، في حين يلجأ البعض لاستخدام السكر في تغذية النحل خاصة في مواسم الجفاف. ولا يهتم غالبية النحالين الحضارم بإنتاج المواد الأخرى المصاحبة لإنتاج العسل كالشمع والعسل الملكي، وهو أمر ناتج عن الأسعار المجزية التي يتحصل عليها النحال من بيعه للعسل.. وبحسب الدراسات التي أجريت حول هذا الموضوع، فإن سعر الكيلوجرام الواحد من العسل الحضرمي يتراوح بين 7 - 10 آلاف ريال (حوالي50 دولاراً)، حيث تتفاوت أسعار الكيلوجرام الواحد طبقاً بحسب اختلاف مصادر الرحيق وكمية العسل المنتج وفرص العرض والطلب ، ويعتبر عسل العلب أو ما يطلق عليه اسم " البغية " الذي يقطف في شهر نوفمبر من أجود أنواع العسل وأغلاها سعراً وتصدر غالبية الكميات المنتجة منه إلى الأسواق الخليجية وبعض الأسواق الغربية.. ومن بين أنواع العسل المشهورة في حضرموت الدوعني، المربعي، الحبضة، السمرة والمراعي، وهي أنواع تقل في جودتها عن النوع الأول على التوالي، وغالباً ما يتم إفراغ العسل من الخلايا طيلة أشهر السنة، ويقوم النحالون ببيع منتجهم بالجملة إلى تجار العسل أو بالتجزئة لأشخاص معينين بحسب الطلب أو للمصدرين في حالة تصدير المنتج إلى خارج اليمن. ويعتمد الكثير من النحالين على الطرق التقليدية في فرز العسل عن طريق عصر الأقراص باليد أو تعريضها للنار أو الشمس لتجميعها في أوان زجاجية وبلاستيكية ومن ثم عرضها للبيع، وعادة ما يتم تصنيف العسل من حيث الجودة، عن طريق الخبرة الشخصية أو الطعم والرائحة واللون وأحياناً عن طريق اختيار العسل بالحرق والصب وغير ذلك من طرق الاختبار التقليدية. صعوبات ومشكلات يرى العديد من المهتمين والمشتغلين بتربية النحل وإنتاج العسل الحضرمي، أن طرائق التربية القديمة للنحل والمتبعة من قِبل غالبية النحالين في حضرموت، لا تزال من أكثر المعوقات التي تعترض تطوير اقتصاديات تربية النحل وإنتاج العسل في حضرموت.. وتذكر دراسة علمية للمهندس صالح مرعي التميمي رئيس جمعية حضرموت للنحالين أن استخدام السكان للخلايا التقليدية في إنتاج العسل وتربية النحل، أدى إلى افتقاد الكثير منهم لخلاياهم وإضعاف إنتاجية معظم الخلايا، وتشير الدراسة إلى أنه على الرغم من حدوث زيادة في عدد طوائف النحل في حضرموت خلال السنوات الأخيرة، إلا أن إنتاج الطوائف آلت إلى النقص بشكل عام. وتعيد الدراسة أسباب هذا النقص إلى العيوب الناتجة عن استخدام الطرق التقليدية في تربية النحل وإنتاج العسل، والتي خفضت إنتاجية الخلية من 15 كجم في المتوسط إلى حوالي 3 كجم في السنة، علاوة على ما تسببه في إصابة بعض الخلايا بالأمراض دون معرفة أصحابها الذين يفاجأون بموتها بصورة سريعة.. وإلى جانب ذلك تورد دراسة المهندس التميمي جملة من الصعوبات التي تواجهها مهنة تربية النحل وإنتاج العسل في حضرموت وأهمها ما تتعرض له خلايا النحل من أمراض وآفات طبيعية، وتهالك الخلايا الناجم عن إستخدام المزارعين للمبيدات الحشرية وعدم معرفة السكان بطرق الوقاية منها.وتوضح الدراسات أن أبرز الآفات التي يتعرض لها النحل في وادي حضرموت تكمن في ديدان الشمع أو ما يطلق عليها "العفة"، دبور البلح "الذبر"، حيث تتسبب الأولى بإتلاف الخلايا النحلية خصوصاً التقليدية منها نهائياً، يساعدها في ذلك عدم قدرة النحالين على اكتشافها بسرعة، وتخلصهم من بقايا الشمع بالقرب من المناحل، الذي يعتبر من أهم عوامل تكاثر هذه الديدان ، أما آفة دبور البلح فيعتبر من الآفات الخطرة المنتشرة بوادي حضرموت وينتشر بكثرة في الفترة بين أغسطس ونوفمبر من كل عام.. وبالإضافة إلى ذلك هناك آفتا "الدبور الأصفر" و " ذئب النحل"، وهما من الحشرات المفترسة للنحل وتنتشر في وادي حضرموت خلال فصل الصيف وتقوم غالباً بافتراس النحل من مدخل الخلية، ومن الحقول بواسطة مادة صمغية تفرزها للإمساك بالنحلة.. ومن جانب آخر تؤكد الدراسة أن كثيراً من خلايا النحل في وادي حضرموت تتعرض للأمراض سواء في طور اليرقة أم الحشرة الكاملة وتؤدي في العادة إلى هلاكها في الوقت الذي لم تتوفر فيه أية دراسات أو معلومات بشأن طبيعة هذه الأمراض ومواعيد انتشارها وطرق مقاومتها.. كما تنوه الدراسة آنفة الذكر أن من بين المشكلات التي ظهرت حديثاً تدهور الغطاء النباتي المستخدم كمراع للنحل جراء الجفاف والقطع الجائر للأشجار، وندرة الاختصاصيين في مجال تربية النحل ووقايتها من الأمراض والآفات، وعدم توفر متطلبات التربية الحديثة وجهل النحالين بالطرق الحديثة المعمول بها في تربية النحل . حلول عاجلة من أهم الحلول التي يقترحها معد الدراسة والهادفة إلى تطوير تربية النحل وإنتاج العسل في حضرموت، إعداد الدراسات والبحوث الخاصة بأوضاع تربية النحل وكافة العوامل المرتبطة بها، وتوفير المتطلبات الحديثة لتربية النحل وجعلها في متناول النحالين، وتنظيم الدورات التدريبية لهم في مجال استخدام الوسائل الحديثة. كما تقترح الدراسة أن تعمل الجهات الرسمية على توفير الاختصاصيين في تربية النحل ومكافحة الآفات والأمراض التي تتعرض لها المناحل لتقديم الإرشادات والمشورات للنحالين وإعداد الخطط والبرامج الهادفة إلى النهوض بمستوى تربية النحل في الوادي وتوسيع نطاق المراعي الطبيعية. وتذهب إلى القول إن أهم الخطوات السريعة التي ينبغي اتخاذها للحفاظ على الثروة النحلية الموجودة في حضرموت وتطويرها تحدد بالتالي: - توجيه وإرشاد النحالين وتقديم الدعم لهم ليتمكنوا من تغيير طريقة التربية في الخلايا التقليدية إلى الخلايا الحديثة "لانجسترون" لحل مشكلات انخفاض الإنتاج ومحدوديته ، والحد من الأمراض التي تصيب النحل في الخلايا التقليدية. - دراسة المراعي النحلية وكفايتها بحسب الكثافة النحلية المتواجدة والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، لإصدار التشريعات التي تحمي المراعي الطبيعية وتنظيم إستخدام المبيدات الكيميائية. - خلق علاقة الارتباط بين المزارعين والنحالين من خلال توعية المزارعين بأهمية النحل ودوره في زيادة الإنتاج. - إنشاء المختبرات اللازمة لمكافحة الآفات والأمراض التي تصيب النحل وتنشيط البحث العلمي في مجال تربية النحل والمراعي ومنع استيراد النحل من خارج الجمهورية، أو إجراء الفحوصات على أية خلية نحل يجرى استيرادها للتأكد من خلوها من الأمراض. - تبني البرامج الخاصة بإكثار النحل داخل الجمهورية وتحديد المناطق المثالية لإنتاج طرود النحل ذات الملكات الممتازة وإنتاج الملكات.