كالكثيرين غيره من شعراء جيله الشباب وجدته محبطاً ويائساً وهو يرى الحراك الابداعي والثقافي بشكل عام من حوله في حالة يرثى لها.. ولما حاولت معرفة سبب هذا الشعور لديه أجابني بالقول أن المبدع شاعر كان أو فناناً آخر يعيش بين عذابين أحلاهما مُرَّ .. فالأول يتمثل في المكابدة المعيشية التي تفرض نفسها واقعاً على المبدع يتأثر به سلباً طبعاً والثاني هو عدم وجود أي اهتمام بالمبدع من قبل الجهات المعنية خاصة «وزارة الثقافة» خصوصاً مبدعي المناطق النائية البعيدين عن الأضواء المسلطة فقط في العاصمة أو عواصم المحافظات.. مما يجعل الاحباط مسيطراً علينا حتى في علاقتنا بالكتابة.. وأورد لي دليلاً واضحاً وهو عدم اهتمام المجلس المحلي بحيس أو محافظة الحديدة بفروع مكاتب الثقافة كفرع حيس من حيث اعتماد النفقات التشغيلية له لكسر جمود أنشطته رغم مرور مايقارب الأربع سنوات على وجوده في ضمن منظومة المكاتب التنفيذية. ولكنه استرجع قائلاً:ومهما يكن فإن المبدع يظل أولاً وأخيراً أكبر من كل المعوقات.. مؤمناً برسالته وعاشقاً من الطراز الأول للأرض والجمال والحرية.. إذا بكى فإنه يبكي بعيون متطلعة لتجاوز حدود انهمار الدموع..،وإن هو ضحك للحياة فإنما يكون قد اعطاها خلاصة مشاعره المضمخة بالحب والإنسانية والعطاء.. وعن موانع اهتمامه بأعماله وجمعها على الأقل في مشروع مستقبلي لطباعة ديوان شعري له:حسبته قد ردّ عليَّ من خلال قصيدة له بعنوان «شكوى» والتي يقول فيها: «كم بتُّ والنجم سهراناً بها ولها سكبت دمعي فاخضرت كآباتي فصرت لا الدار داري .. لا وليس بها سوى النحيب وسهراً زاد مأساتي أمّا أنا .. من أنا؟ من بعدكم سلبت مني الهوية وأغتيلت مسراتي فلملميني فبعضي ماله وطن وآخر ضاع مني في متاهات وحاولي جمع أوراق مبعثرة ورتبيها ففيها شرح حالاتي لكنها الطبيعة البشرية المتمردة على بلادة الأشياء من حولها والمفطورة على التطلع الدائم لما ينبغي عليه الواقع أن يكون.. يقول الشاعر: «ياصبحُ زُر.. فقد استبد بي الكلام.. يا سعد زر .. فلقد برئت من الغرام ولترقصي ياخيمتي فالنار تنذر اليوم ألا تشتعل» «2» وهذا هو الوجه الحقيقي للشاعر «محمد مهيوب عقيلي» الذي ماخانته الذاكرة يوماً لينسى أن يمنح مجتمعه الذي يعيش معه «الأصدقاء» حيزا من بوح الشاعرية ففي قصيدة له بعنوان «لست وحدي» والتي أهداها إلى صديقه «أيمن العريم» يقول الشاعر: «واسيتني شعراً وكنت لوحدتي أوفى أنيس بالصمود تأزرا بالأمس كان تصوري أني هنا وحدي وليلي للعذاب قد انبرى حتى سمعتك تشتكي مما أنا أيقنت أني لست وحدي هاهنا فجميعنا لليل لام وأنكرا «3» أما فلسفة الكلام فليست علماً قائماً على حسابات منطقية لدى الشاعر «العقيلي» ولغتها لاتخضع لقوانين العقل اليابس الحس الشاعري.. ولكنها أي تلك الفلسفة أصبحت «حكمة القصيدة» ومن الحكمة لديه التسليم بواقعنا الابداعي الضائع في متاهات اللاشعور بالمسئولية وهذا في رأيه ماجعل من النتاج الآتي ممزوجاً بتلك الفكرة الفلسفية المسيطرة القائمة أصلاً على ابجدية الضياع قانوناً يمثل الوجه الآخر للشاعر والشاعرية والشعر في آن معاً في معترك الحياة اليومية.. بمعنى أن الشاعر الضائع الآن قد أصبح الوجه الآخر للضياع الذي يلتهم كل الشعراء أمثاله في الوقت الراهن.. يقول في قصيدته «فلسفة الكلام»: «فالنار تنذر اليوم ألا تشتعل وأظل منك أسيرها وشاعريتي أنت والدمع الغزير من المقل وتبادليني الآه تلو الآه في الآفاق فلسفة الكلام» «4» وإنطلاقاً من فلسفته تلك يظل الشاعر مكابراً.. لكنها المكابرة التي لاتستلم للشجن أو الجراح.. يزهو بضياعه وانهزامه الذي صار جزءاً من واقع أمته وليس له إلا أن يبدو شاعراً على الأقل فوق شمت الشامتين :يقول «اليأس من عالم زيف سريرته أضاع حلمي كما ضاعت أمانيه صبحي غيوم وليلي مابه قمر نومي شريد وعقلي تاه في التيه كلي ضياع وأوراقي مبعثرة أغالب القهر في نفسي وأخفيه كلي انهزام وأيام مضيعة ألهو كما الطفل بل لهوي سيبكيه أخفي الأسى عن عيون الشامتين فهل يخفيه دهري طويلاً أم سيبديه؟». ?المصادر« 1،2.3.4»من مجموعة قصائد الشاعر المخطوطة