يقول المناضل أحمد محمد الحربي: بعد أن فشلت حركة 1955م بقيادة الشهيد أحمد الثلايا ومحمد قايد سيف الذي فر إلى عدن وبدأ يواصل نضالاته من عدن حتى قيام ثورة 26سبتمبر.. والالتحاق بالعمل الوطني هو نوع من إرهاصات التفكير الطفولي.. لكن كان هناك رواد لهم صولات وجولات في ميدان العمل الفكري بنشر حركة التنوير داخل المجتمع.. هؤلاء كانوا مؤثرين بالرغم من اختلاف وتباين الآراء والأفكار التي كانوا يحملونها.. فمثلاً أتذكر مكتبة الجيل الجديد للشهيد سعيد حسن الملقب بإبليس.. كانت هي المكتبة الوحيدة الموجودة داخل تعز إلى جانب مكتبة الثقافة للأستاذ شمسان.. ومكتبة سعيد هيصم.. كانت إحداهن ثقافة دينية والأخرى جامعة والثالثة متخصصة تكاد تكون في العمل الوطني المحدود.. فهؤلاء الثلاث المكتبات إحداهن - كما قلت - متخصصة فيما يتعلق بالحركة الوطنية ونضالات العمل الوطني المحدود في إطار حركة الأحرار والجمعية اليمنية الكبرى.. والمكتبة الأخرى يحمل اسمها الثقافة ولكنها كانت ثقافية واسعة وكانت مكتبة سعيد هيصم تكاد تكون متخصصة في الثقافة الدينية. وكانت هناك مجموعة لا نستطيع أن نقول عليهم الرعيل الأول ولكنهم من الصف الثالث من العمل الوطني مثل أمين هاشم الذي عمل فيما بعد في مكتب شؤون الوحدة اليمنية ولايزال يعيش حتى اليوم.. وكذلك أخوه عبدالقادر هاشم رحمه الله.. هؤلاء كان لديهم مطعم سمي مطعم الأمين وكان ملتقى كل الوطنيين على مختلف مشاربهم في الخمسينيات.. وكان هذا المطعم يلعب دوراً رئيسياً في تجميع الناس.. وهو قريب من المدرسة الأحمدية في تعز. وكان أكثر جدلاً حدث بين مجموعة من الطلبة اليمنيين الذين عادوا من مصر واتهموا بالشيوعية وطردوا من القاهرة.. أذكر منهم الدكتور السقاف والشيخ جبر أحمد جبران ومحمد عبدالولي الأديب والقاص اليمني الكبير وسالم زين، وصالح عبده، والأديب الكبير عمر الجاوي. هؤلاء مجموعة ارتبطوا بالعمل الوطني وظلوا يواصلون نضالاتهم إلى أن تحققت أهداف الشعب اليمني.. فكانت تعز عبارة عن بؤرة للعمل الثقافي الوطني غير المحدود حتى في ظل وجود الإمام.. لكن كان فيه متنفس الكلام. كلام هؤلاء من الرعيل الثاني من المناضلين كان يفهم من الآخرين وماذا يعني كلامهم.. فقد كان له مغزى تبشيري فيما يتعلق بعملية التحديث سواءً في أسلوب العمل الوطني أو في أسلوب ثقافة المجتمع، وقد كانت تأتي مجاميع كثيرة من عدن وينزلون فيما كان يسمونه «دار الضيافة»، وهو يمثل المجمع الحكومي.. وفي هذا المكان كان ينزل فيه عبدالله باذيب الذي أصدر صحيفة «الطليعة» في تعز ووصل إلى تعز الشاعر محمد سعيد جراده وادريس أحمد حنبله.. فكان الملتقى كبيراً للوطنيين في الشمال والجنوب.. وكان هناك حراك ثقافي. كما كان يوجد في عدن الأستاذ علي عبدالعزيز نصر والأستاذ عبدالوهاب الوشلي والأستاذ عبدالرزاق شايف، هؤلاء كانوا يؤدون دورهم في مجال التعليم ومجال الثقافة الوطنية.. وفي مجال الجمعيات التعاونية والقروية.. ولم يكن هناك فصل بين الموجودين في عدن والموجودين في تعز، بل كان هناك ترابط نضالي بآفاق مختلفة.. وهذه الآفاق المختلفة لم يكن فيها نوع من الخلاف الحاد ولكن كان فيها رؤى تقدر طبيعة ساحة الصراع في تلك الفترة. ويضيف المناضل أحمد محمد الحربي: أعتقد أن عام 1961م قد شكل البداية الحقيقية الذي خرج فيه العمل الوطني من شرنقة السرية إلى الانطلاق نحو الناس.. فقد كان عندنا يومها من الناس الذين لهم أدوار نضالية وكفاحية مغمورة حتى الآن وأنا أستغرب لماذا لايتذكرونهم, فعلى سبيل المثال هناك الحاج محمد المحلوي.. هذا المحلوي من الناس الذين قدموا كل مالديهم من إمكانات للعمل الوطني.. وكان بيته ومحلويته ملتقى لكل العناصر الوطنية من مشايخ وتجار ومثقفين.. ومع أن كل الناس يتحدثون في كل مناسبة لكن لا أحد منهم يتذكره، ويوجد ناس آخرون في المكتبات لا أحد يتذكرهم أيضاً مثل الأستاذ شمسان وسعيد حسن إبليس وسعيد هيصم والشرعبي.. هؤلاء كانوا يعملون بأسلوب لانقول إنه مختلف ولكن كان كل واحد منهم له طريقته في التعاون مع الآخرين، كيف يتصلون بالناس وكيف يلتقون بالآخرين. واستديوا أحمد عمر العبسي كان مجمعاً لكل أولاد المشايخ الرهائن داخل قلعة القاهرة وكانوا ساكنين عنده في البيت.. وكذلك في أماكن مختلفة في الجحملية وفي المدينة ووسط المدينة وبدأوا يتواصلون فيما بينهم حتى بدأ العمل النقابي السري لأنه لم يكن هناك عمل نقابي علني.. كما بدأ عمل نقابي داخل العمل الطلابي.. وقد كانت الحركات الوطنية لها تأثير كبير فيما يتعلق بنشوء تهيؤات لإبراز العمل الوطني بشكل أكبر مما كان عليه في عام 1961م، وهناك نقابة العمال السرية التي كانت تعمل في النقطة الرابعة.. ومصلحة الطرق طريق المخاتعزصنعاء، وكذلك الطلاب الذين كانوا في المدرسة الأحمدية.. وقد جاءت مظاهرة أو مسيرة الطلاب التي طالبوا من خلالها بتحسين ظروفهم المعيشية لتتزامن مع أحداث طلابية في عدن لا يفصل بينها سوى أيام معدودة وكأنه كان هناك مايشبه الترابط ولكن بطريقة تعبر كل منها في موقعها. طلاب الأحمدية عندما حدثت قضية محاصرة الطلاب في المدرسة الأحمدية تضامن معهم العمال وكان على رأسهم عبدالله محمد ثابت وهو من ذبحان وكان هو أحد الفدائيين الذين أتوا من عدن أثناء حركة أو ثورة 1948م بصحبة الأستاذ أحمد محمد نعمان والأستاذ الزبيري.. وكان هناك علي عبدالله القباطي مهندس سيارات، هؤلاء مثلوا شبه إجماع بين التجار والمشايخ لكيفية مساندة الحركة الطلابية أو الطلاب المعتصمين داخل المدرسة الأحمدية. وكانوا يقومون بتسريب مايحتاجه الطلاب من مؤن وغذاء حتى أنه وصل الأمر بالنظام إلى أخذ عبدالله محمد ثابت وعلي عبدالله فوز وربطوهما في العرضي بحجة أنهما قاما بمساعدة الطلاب لفك الحصار عليهم.. فعام 1961م كانت بداية لا أقول تحويل ولكن بداية إيقاظ للعمل الوطني للتغيير الذي يخرج من مدينة تعز إلى المحيط مثل القرى والمناطق المجاورة لمدينة تعز إلى الراهدة.. إلى ماوية.. إلى الحجرية، إلى المخا، فبدأ الناس يشعرون أن هناك شيئاً ما موجود.