رشيد الحريبي فنان بحجم هذا الوطن أغنى وأثرى مجلد الفن اليمني بالفن الأصيل وبأغاني الزمن الجميل لقب في القاهرة بعبدالحليم اليمني ولقب في العراق بعبد الوهاب اليمني ولقب في الخليج بسفير الأغنية اليمنية أما في اليمن فلقب بالمجنون وأنزح إلى الشارع في ظل واقع لا يرحم.. ترك عمله في البنك العربي وتفرغ للفن منذ أن انطلق بفنه الراقي عام 1962م من تلفزيون بغداد.. درس الصحافة وقد ظهر في برنامج ركن الهواة في تلفزيون بغداد بأغنية لعبد الوهاب «دعاء الشرق» ثم سافر للقاهرة وغنى في إذاعة صوت العرب بأغاني من ألحانه في عام 1964م وهي أغنية «يازارعين الورد» سجلت له العديد من الأغاني لقبه الصحفي الكبير جميل عارف بعبدالحليم اليمني في مجلة «آخر ساعة» حاولنا سرقة بعض الدقائق للتحاور معه في الشارع الذي رمي وأنزح إليه فكان كريماً معنا وهو يفتح خزائن ذكرياته المريرة مسترسلاً يتحدث عن معاناته حتى تأثر الناس وهم مجتمعون حولنا في الشارع ونحن نجري معه هذا الحوار.. تعالوا بنا أعزائي القراء لنفتح خزانة من خزائنه الفنية فهيا بنا:. ? سأبدأ بالصعوبات التي تحديتها حتى أصبحت رشيد الحريبي حدثنا كيف استطعت تحمل كل ماحمله لك الدهر حتى النجاح؟ أحببت الغناء منذ ربوع صباي ونعومة أظافري وحلمت بأن أكون مطرباً عربياً حقيقياً ومشهوراً أشدو بالفن الأصيل في كل بلد لأرفع أسم بلدي عالياً ولكن أسرتي في البداية منعتني من الغناء لأنه كما قالوا عيب في ذلك الوقت بالنسبة لبعض الأسر مثل أسرتي والحقتني أسرتي في مدرسة قعطبة وهي مدرسة داخلية وكان معي وقتها راديو ترانزستور قديم كنت أحب سماع الأغاني لأشبع هوايتي ولكن أسرتي لم تستطع أن تثنيني عن الغناء فذهبت بي إلى السعودية فهربت من السعودية ورجعت عدن وعملت في سكرتارية المجلس الأعلى للحكومة وقتها واستطعت إكمال دراستي الثانوية ثم سافرت إلى العراق وتقدمت في مسابقة غنائية بأغنية دعاء الشرق للموسيقار محمد عبدالوهاب وهذه كانت أول خطواتي على طريق الفن الأصيل. ? طيب وماذا عن الأهل والأسرة؟ وصلت أخباري إلى والدي الذي ثار غضبه وهدد بالويل والثبور إذا استمريت في مجال الغناء فاضطررت للعودة إلى عدن إرضاء لرغبة والدي الذي جعلني أتوقف قليلاً عن الغناء وعملت موظفاً وقتها في البنك العربي وعندما قامت الثورة طرت فرحاً وقررت أن أعبر عن فرحتي بفني وذهبت إلى إذاعة صنعاء وغنيت «وحدة وحدة ياسلال ويا زعيمنا الحر جمال.. ثم غنيت أخرجوا من عدن». ? متى أحسست بطعم النجاح كفنان؟ عندما التحقت بمعهد الموسيقى وطورت من موهبتي على أسس علمية صحيحة ثم وجهت لي دعوة من نادي الإتحاد اليافعي بعدن لإقامة حفلات ونجحت نجاحاً كبيراً. ? وهل بقيت في عدن بعد هذا النجاح؟ وهل جاءت لك دعوات خارجية؟ سافرت بعدها إلى الكويت عندما جاءتني دعوة من وزارة الارشاد والانباء الكويتية للقيام بتسجيل مجموعة من الأغاني للتلفزيون الكويتي. ? هل حلمت بأن تكون ممثلا ونجماً؟ بالطبع وبالفعل دخلت هذه التجربة خصوصاً عندما قدمني المخرج الكبير عبدالرحمن الخميسي في فيلم من انتاج مؤسسة السينما العربية. ? في ذلك الوقت ماهي الأغاني المشهورة التي سجلتها؟ تعاقدت وقتها مع شركة «جنة الألحان» على تسجيل أغاني من أهمها حبيبي غاب عني ومن مثلي شاف حرمان ويازارعين الورد قولي لي ولا تخبي نهب قلبي غزال أحور. ? ومن مثلك يارشيدنا شاف حرمان ومن الذي نهب قلبك؟ المرأة في حياة رشيد الحريبي؟ المرأة هي الحياة وهي المجتمع حقيقة حاولت أتزوج مرتين ولكن لم يحصل نصيب لأسباب كثيرة أهمها تدخلات الأسرة وشفت إن الزواج عملية صعبة بالنسبة لي إلا إذا لقيت إنسانة مقطوعة من شجرة وقد غنيت للحب كثيراً وأي شخص لا يعرف الحب ليس بإنسان. ? هل قلبك أسود تجاه من حاربوك أو قفوا في مشوار حياتك؟ قلب الفنان أبيض وقلبي لم يسود على أحد لأني شخص طيب وكما يقولون يومي عيدي. ? هل تحقد على أحد؟ لا لا ولم أحقد على أحد. ? هل يمكن لأي شخص أن يتعلم العود؟ إذا كان متذوقاً وعنده احساس وحس فني سيتعلم خصوصاً إذا كان يحب الفن عندها لن يكون التعلم على العود صبعاً. ? من الذي علمك العود؟ في البداية كنت أغني ولكني تعلمت العود في معهد الموسيقى بالقاهرة. ? لقبت بعبدالحليم اليمني وبعبدالوهاب اليمني فأي لقب تحب؟ أنا لا اؤمن بالألقاب بل أؤمن بالعمل. ? بعد مشوارك الطويل هل أنت سعيد في حياتك؟ لم يتبق في الحياة الكثير ولكن سأقول إلى حدٍ ما. ? كيف تصف الوضع الفني اليوم؟ الفضائيات غير الملتزمة أوصلت الفن الأصيل إلى الحضيض وجعلت منه نخاسة. ? هوايتك الأخرى؟ القراءة والتصوير. ? لحن لحنته لفنان أو فنانة عربية؟ لحنت للمطربة ليلى جمال. ? وهل ظل والدك على موقفه تجاهك؟ حقيقة تغير موقفه وأعجب بي في النهاية خصوصاً عندما سمع الأغاني الوطنية التي غنيتها. ? أكثر الفنانين قرباً إلى قلبك؟ أم كلثوم وعبدالحليم وفريد الأطرش والملحن بليغ حمدي وغيرهم. ? من الذي تنبأ لك بأن تكون الفنان رشيد الحريبي؟ الموجي وبليغ حمدي هما اللذان تنبأ لي بالمستقبل الكبير. ? وهل لمست من تنبؤهما شيئاً؟ حقيقة لمست الكثير إلا في اليمن فها أنت تلمسني ونحن نجرى حوارنا في الشارع وعلى الرصيف هكذا أنزحت وهكذا أصبح مستقبلي بين أحضان الأرصفة. ? ماهي الأغاني الوطنية التي جعلت والدك يرضى عنك؟ هي أغاني مسجلة في صوت العرب أهمها «شعب اليمني ياشعب أبطال العروبة» وأغنية «شعب اليمن جبار كافح كفاح الاحرار ودك صروح الظلم سطر تاريخ من نار» وغيرها. ? كيف تصف الأغاني العاطفية القريبة إلى قلب رشيد الحريبي؟ سأصفها كما وصفها الصحفي محمد عبدالوهاب الشيباني عندما كتب أغاني رشيد الحريبي أثملت قبل أربعين عاماً وأثملت اسطوانات الطرب الخشبي وأرقصت نساء المدينة البحرية أغاني رشيد الحريبي التي جمعت بين السكارى وفرقاء السياسة وصهرت الصيادين أغاني لم تتحرك على قدمين عاشقتين أحملها مثل رفات الأسلاف في الأزقة والشوارع مع وتري القديم والوترين الناقصين. ? أصعب لحظات حياتك؟ هي لحظات شعاري أدفع ميه تسمع أغنية هذا الشعار الذي اتخذته لأوقض الموتى من قبورهم لعل وعسى أجد أحداً ينقذ هذا الفن الذي يضيع في ظل هذا الواقع المؤلم وفي زمن الفضائيات الهابطة وفن النخاسة الذي طغى على الطرب الأصيل وأصحابه. ? يعنى أنك تعتبر نفسك ضائعاً؟ مالك ياربيع ها أنت تجري الحوار معي ونحن في الشارع وتلاحظ صراعي مع المرض والجوع والآلام وفي ظل تجاهل الجهات المعنية لرشيد الحريبي وكما قلت لك بأنهم لا يذكرون أحداً إلا بعد موته. ? ثروتك؟ ثروتي هي فني المسجل في التلفزيونات والإذاعات وثروتي أيضاً عودي العتيق وزنبيلي الذي تشاهده المليء بما كتبته عني الصحف العربية والمحلية وثروتي مرضي وآلامي ومعاناتي هذه هي ثروتي وثروتي هو أني لحد الآن بدون وظيفة ثروتي هي أني بعت كل ما أملك ولم أجد سبيلاً إلا الغناء في الشارع لأعيش غبن العيش وعض الجوع. ? ماهي الوسيلة الإعلامية التي ظلت وفية لرشيد الحريبي؟ أكثر وفاءً كانت هي إذاعة عدن التي جعلت صوت رشيد الحريبي يتردد في الرمز الموسيقى أكثر من ثلاثة عقود رغم أني لازلت أغني على الأرصفة في زمن الفضائيات. ? ماذا عن الأناشيد؟ ذكرتني عندما بدأت والتمس أساتذتي فيني الموهبة فكانوا يكلفوني بالأذان وقراءة القرآن وأداء الأناشيد لما التمسوه من حسن صوتي وكان ذلك في بداياتي فقط؟ ? والمسرح؟ كان أول موقف لي أمام الجمهور عندما شاركت في مسرحية في جده وشاركت أيضاً في بعض المسرحيات الأخرى ولكن ميولي كان أكثر للغناء. ? كم عدد الأغاني التي سجلتها في إذاعة صوت العرب؟ «12» أغنية من عام 67 إلى عام 78م وهي من ألحاني وسجلت ست في الخليج وأربع في دمشق والبقية في اليمن وآخر أغنية سجلتها للتلفزيون في عام 1991م ولدي الآن عدة أغاني لم أسجلها حتى الآن. ? هل كانت لديك نشاطات تلفزيونية وإذاعية؟ عملت في التلفزيون كمقدم لبرنامج «أخي المواطن أختي المواطنة» الذي كان يكتبه القرشي عبدالرحيم سلام وعملت لفترة في إذاعة عدن في برنامج كانت تقدمه وتعده المذيعة السورية أديبة صالح وفي تعز قدمت «مايطلبه المستمعون». ? ماهي أهم الحفلات الفنية التي جمعتك بفنانين يمنيين مهمين؟ حفلة تعز مع الفنان الآنسي ونادية عبدالله وحفلات في الحديدة والراهدة والمحفد وكريتر وعدن. ? حفلة عربية؟ مهمة في حياتك؟ في الستينيات حفلة أحييناها مع الفرقة الموسيقية المصرية بمناسبة الاحتفال بأعياد ثورة يوليو. ? كيف وصلت إلى الشارع؟ بسبب الظروف المالية السيئة ولعدم وجود وظيفة كنت أقوم بتأجير العود مقابل مبلغ بسيط مقابل بعض الريالات ثم بدأت أغني دون أن أعلم أحداً عن اسمي بسبب الجهات المعنية التي لم تستقبلني ولم تهتم لفني وبعض المضايقات مع بعض المسئولين في وزارة الثقافة وعدم إذاعة الأغاني المسجلة وكان أمامي إما الموت جوعاً أو الغناء في الشارع من أجل لقمة العيش حتى أني رهنت العود عدة مرات وكم أيام نمت بدون عشاء وكم أيام بدون غداء وكنت أبكي حتى يدمى قلبي من سوء الحال ولا من مجيب رغم ما كنت أعانيه في الشارع من المضايقات من بعض الناس الذين كانوا يقولون هذا مجنون وبعضهم يقول هذا أمن سياسي وكذا مضايقة الأطفال وكنت أنتقي بعض الأماكن في ظل هذه المعاناة ولم ينقذني من الجوع إلا فني وعودي العتيق. ? أملك الأخير في الحياة؟ هما في الحقيقة أملان الأول إيجاد وظيفة لألتحق بالخدمة المدنية لأعيش بقية الأيام المتبقية لي دون الحاجة لأحد والثاني رضى الله. ? ماذا تحب أن تقول لتنهي هذا الحوار الدافئ؟ أشكر «فنون» التي أهتمت في الشهور الأخيرة بالفنانين وهمومهم وهذه حقيقة لمسها الكثيرون بل وتميزت بمواضيعها فلها الشكر والشكر موصول لك الذي عانيت للوصول إلي واجراء هذا الحوار وأتمنى أن تجري معي حواراً آخر إن شاء الله بعد أن اتوظف قبل أن أودع هذه الحياة ثم يذكروني بعد موتي وشكري لكل من دعمني وتذكر رشيد الحريبي بخير .