يعتقد الناس أن الإدمان على العمل هو العمل بجد واجتهاد، على أن الإدمان الحقيقي على العمل يشبه الاضطراب الوسواسي القهري وقد أصبح أكثر وضوحاً في يومنا هذا. لا ينطبق هذا المصطلح على الأشخاص الذين يعملون لساعاتٍ طويلة لكي يقوموا بإنهاء أعباء العمل الكبيرة وإنما ينطبق على أولئك الذين يشعرون أنهم مجبرون على الاستمرار في العمل لتحقيق حاجتهم الداخلية. الإدمان على العمل هو هوسٌ يستهلك المرء في العمل، ليمنعه من تكوين علاقاتٍ صحية أو الحفاظ عليها أو حتى أي اهتمامات خارجية، كما يمنعه من الاعتناء بصحته. ويهمل العديد من المدمنين على العمل عائلاتهم وأصدقاءهم، وحتى إذا خرجوا لقضاء العطلة، فإنهم يبقون مشغولين بالعمل. وغالباً ما ينشأ الإدمان على العمل عن شعورٍ دفين بعدم الأهلية. على الرغم من أن المدمن على العمل يكون عادةً شخصاً ذكياً ومؤهلاً عن جدارة، إلا أنه غالباً ما يشعر بالخوف من الفشل أو يحس بالحاجة لإثبات نفسه. يسعى المدمنون على العمل إلى الكمال بشكلٍ مستمر، ويجدون أنه من الصعب أو المستحيل أن يتحملوا أخطاءهم، حتى وإن كانوا يتحملون أخطاء الآخرين. وعادةً ما يكونون أشخاصاً منساقين للعمل ويحتاجون لإتمام مهمةٍ واحدة أخرى لكي ينتهوا من العمل بالنسبة ليومهم، ويجدون أنه من الصعب عليهم أن يسترخوا. في العديد من الحالات، يقوم المدمنون على العمل بأداء أعمالٍ إما تبعث على التحدي أو إبداعية، كأصحاب الأعمال، والمدراء، والأطباء، والمحامين، والمدرسين، والكتّاب، والمؤلفين. بشكلٍ عام، تظهر بعض الأعراض التالية، إذا لم تظهر جميعها، على المدمن على العمل: - يشعر بالذنب عندما لا يعمل. - يعتقد أنه الشخص الوحيد القادر على القيام بالعمل. - يعمل، أو يفكر بالعمل، في كل دقيقةٍ من اليوم، حتى إذا كان مريضاً. - يعمل 60 ساعة أو أكثر في الأسبوع. - يتحدث باستمرار عن العمل، حتى وإن كان في المنزل، أو مع أصدقائه، أو في عطلة. - يشعر بالملل أو القلق عندما لا يكون يعمل. - يحصل على معظم الابتهاج العاطفي أو النفسي من العمل. بما أن المدمنين على العمل نادراً ما يتوقفون عن العمل لتناول الطعام أو الشراب، فإنهم غالباً ما يكونون معرضين للإصابة بالجفاف، وقرحات الفم، والمشاكل المعوية، وإضافةً إلى ذلك فإنهم قد يعانون من نوباتٍ متواترة من الصداع والعديد من المشاكل المتعلقة بالتوتر. كما أن عدم القدرة على العمل لأي سببٍ كان من شأنها أن تسبب الاكتئاب. ما هو علاج الإدمان على العمل؟ قد ينطوي علاج الإدمان على العمل على الاستشارة، أو العلاج النفسي، أو العلاج السلوكي الإدراكي للِوصول إلى الأسباب الكامنة وراء العمل بشكلٍ قسري وللتعرف على طرقٍ لتغيير السلوك. ويحتاج المدمن على العمل في العديد من الحالات إلى الحصول على المساعدة من أجل بناء ثقته بنفسه، من ناحية مشاكل التواصل، ومشاكل السيطرة والسعي للكمال، وفي إعادة تواصله مع مشاعره، التي أصبحت مدفونة أو تم تجاهلها على مدى عدة أعوام من العمل القسري. بشكلٍ عام، فإن مواجهة المدمن على العمل يقابله الإنكار، وقد يحتاج زملاء العمل، وأفراد العائلة، والأصدقاء إلى التدخل للتواصل حول تأثيرات سلوك المدمن على العمل عليهم. وقد يحتاجون إلى مساعدة معالجٍ يعمل مع المدمنين على العمل ليقوم بتقييم ذلك الشخص ويوصي بخيارات العلاج. قد يبدأ العلاج باستكشاف خبرات الطفولة، بما أن السلوكيات والاعتقادات المتزمتة للمدمن على العمل تتشكل خلال الطفولة. فغالباً ما أخذ المدمن على العمل على عاتقه مسؤوليات الأبوين عندما كان طفلاً للسيطرة على الوضع في ظل حياة أسرية فوضوية، أو لإيجاد ملاذٍ من العواصف العاطفية، أو التعرض للإساءة النفسية أو الجنسية. والخطوة المهمة في البداية هي تأسيس حق المدمن على العمل في الاعتناء بصحته وسعادته، بدلاً عن الاستجابة بشكلٍ مستمر لاحتياجات الآخرين. وسيساعده العلاج السلوكي الإدراكي في تفحّص الاعتقادات المتزمتة والمواقف التي تثير العمل بشكلٍ زائد. ويمكن استبدال الاعتقاد الضمني “أكون محبوباً إذا كنت ناجحاً”, بالاعتقاد الأكثر فعاليةً “إما محبوبٌ لما أنا عليه، وليس بسبب ما حققته”. ما الذي يسهم في الاعتدال في الإدمان على العمل؟ قد لا يكون التغيب عن العمل هدفاً واقعياً، وينطوي الاعتدال على تغيير مواقف المرء وسلوكياته، حيث يقوم المدمن على العمل بتطوير خطة تحديثية تقدم التوازن في الحياة، بما في ذلك جدولاً يسمح بالوقت الكافي للصحة الجسدية، وشعور المرء على أنه على ما يرام، والممارسات الروحية، والدعم الاجتماعي. من الضروري أن يضع المرء حدوداً تفصل بين المنزل والعمل، كما أنه من المهم أيضاً وضع جدول توقيتٍ زمني وأسبوعي للاعتناء بالنفس، وللأصدقاء، وللعب. ويجب على المدمن على العمل أن يخصص وقتاً في كل يوم لمدة معينة من أجل الصلاة أو التأمل، أو الاستماع إلى الموسيقى، أو الاشتراك في نشاطٍ آخر لا يتطلب العمل. يمكن أن تقدم اجتماعات المدمنين على العمل غير المعروفين، وهو برنامج من 12 خطوة، تقدم الدعم والأدوات من أجل الشفاء، كما قد تساعد الأدوية أيضاً. قد يكون اضطراب نقص الانتباه (ADD) كامناً وراء الإدمان على العمل، ويمكن أن يوضح تقيم الطبيب فيما إذا كان اضطراب نقص الانتباه عاملاً مسهماً في هذا الإدمان. إذا كان القلق أو الاكتئاب عاملاً مسهماً، فقد تساعد الأدوية في الوصول إلى بيئةٍ عاطفيةٍ أكثر توازناً، بينما يقوم المدمن على العمل بإجراء التغييرات السلوكية. قد يكون الإدمان على العمل فرصة ليفحص زملاء العمل، وأفراد العائلة، والأصدقاء أنفسهم. وقد يقوم هؤلاء، ربما بمساعدة المعالج، بالاشتراك في جلساتٍ جماعية حيث يفكرون بطرقٍ قد يشجعوا فيها المدمن الذي يعمل بشكلٍ زائد. هل هنالك ضغوطاتٌ في العمل أو المنزل يتجنبها المدمن على العمل وغيره بالإفراط في العمل أو غيره من السلوكيات الإدمانية؟ هل يتمسك أفراد العائلة بمثالية الأب أو الأم الرائعين، والذي لا يسمح بالفشل والنجاحات العادية في حياة الإنسان؟ عندما يقوم الأشخاص المحيطين بالمدمن على العمل بتفحص حياتهم، فإنهم يصبحون أكثر قدرةً على دعم المدمن على العمل بينما يستمر في التعافي من هذا العمل الأدماني.