تعتبر المرحلة الثانوية مرحلة هامة من مراحل التعليم لأنها تعد اللبنة الأساسية لبناء المستقبل وعليها يعلق الكثير من الطلبة آمالهم وطموحاتهم وفيها ينسجون الرؤى والأحلام، ولا تبرح أعينهم ولا ينفك تفكيرهم عن أحلام اليقظة حول صور المستقبل وما الذي يحمله لهم القدر بين أحداثه, ويقع طلبة الثانوية العامة في الغالب بين صفات تتجاذبهم، فالبعض قد يصفهم بأنهم أكثر اهتماماً ومذاكرة، وآخرون يصفونهم بالأكثر تسويفاً ومماطلةً، فهل الطالب الثانوي كذلك؟ وما هي الفكرة التي كونها طلاب الثانوية عن المرحلة الثانوية وأهميتها المستقبلية؟ وما الذي تقدمه الأسرة والمدرسة تجاه رجال الغد؟ وما المشكلات التي تواجه الطالب والمدرس وتعيق كل منهما تجاه مسئولياته المستقبلية؟. كل تلك الأسئلة سيتم الإجابة عنها فيما يلي من حصيلة جولتنا بين طلبة الثانوية العامة وبعض مدراء المدارس والمدرسين. العمل بضمير الأستاذة رجاء عبده علي – مديرة مدرسة النهضة بتعز – أفادت بأن المرحلة الثانوية وبسبب أنها مرحلة ( وزارية ) تتميز عن بقية السنوات النقلية، ولكن هذا التميز لا يكون إلا عند من يقدر قيمتها ويعمل بضمير وجهد ومثابرة لاجتياز اختباراتها. وقالت: إن أبرز ما ألحظه على بعض الطلاب في المرحلة الثانوية هو تقصيرهم تجاه دروسهم وإهمالهم لواجباته وعدم المواظبة، بالإضافة إلى عدم احترامهم لمدرسيهم، وكل ذلك ناتج عن عدم استيعابهم لأهمية المرحلة التي يمرون بها. الاعتماد على الغش عدم تقدير المرحلة انعكس من خلال اعتماد أغلبية الطلاب الكامل والكلي على الغش وبمختلف الوسائل، كما قالت الأستاذة رجاء، مضيفةً: إن ذلك نابع من الضبابية في رؤية المستقبل التي تحتم على الطلاب نبذ هذه الوسائل والاستعداد للمستقبل بطرق جادة بعيدة عن التواكل والاعتماد على سلوكيات خاطئة, مؤكدةً أن مشكلة الغش تتفاقم من عام إلى آخر مما يهدد مستقبل الطلاب الذين يعول عليهم المجتمع والوطن الكثير، وقالت: كما أننا لا نلحظ أي إجراءات فاعلة للحد من الظاهرة، ولو فعلت تلك الإجراءات لكان الطالب أكثر حرصاً على مستقبله. اهتمامات أخرى وأكدت الأستاذة رجاء أن هذه المرحلة الهامة بحاجة إلى إيجاد اهتمامات أخرى خدمةً لنفسيات الطالب، فنحن للأسف الشديد لم نهتم إلا بوسيلة واحدة تقليدية للتعلم، ولم نعط الجوانب الأخرى كالأنشطة والمسابقات والرحلات الترفيهية والعلمية الهادفة أي اهتمام رغم أنها تعتبر من الوسائل التعليمية الهامة المساعدة على الإبداع والابتكار والنجاح. نموذج واعي وأشارت مديرة مدرسة النهضة إلى نموذج لأحد طلبة مدرستها الذي قالت إنه كان يمتلك الإرادة والطموح العالي والعزم على تجاوز الاختبارات وتحقيق معدلات قوية والولوج إلى الحلم الذي يريده، ولم يكن له ذلك إلا من خلال استيعابه للمرحلة الثانوية والاختبارات الوزارية باعتبارها بوابة الوصول للمراد، وتحقيق الأحلام. والحمد لله فقد استطاع هذا الطالب تحقيق رغبته، وهو حالياً ضابط في الأمن المركزي استطاع تحقيق حلمه من خلال الاجتهاد والطموح والوعي والإدراك لأهمية المراحل الدراسية. دعوة ونصيحة وتقول عن الأجواء والمناخات المدرسية إنها لا بد أن تسعى إلى تهيئة بيئة مناسبة للعملية التعليمية، ولذا نحن نطمح كمدراء مدارس أن يكون مستوى الطالب فوق المتميز، كما أن على أولياء الأمور أن يعوا أهمية المرحلة الثانوية في مسيرة الطالب المستقبلية، وأن ينفتحوا على الحياة أكثر من خلال الاطلاع على البرامج التربوية والنفسية للتعامل مع أبناءهم خاصةً في مرحلة الامتحانات؛ لأنها مرحلة تحتاج إلى تعامل خاص. وأضافت في ختام حديثها: إن على الطالب أن يعرف أهمية تحديد أهدافه في الحياة بدقة، ويتيح لنفسه الفرصة للاعتماد على قدراته ولا يجعل للغش والوسائل الخاطئة سبيلاً إلى حياته. أسباب ونتائج من جانبها أضافت الأستاذة وداد يحيى – مدرسة لغة عربية للصف الثالث الثانوي – العديد من الأسباب والنتائج في هذا الجانب ،حيث قالت: إن نسبة تفاعل الطلبة في الاختبارات الشهرية والتحضير والمواظبة ضئيلة جداً وإن غالبية الطلبة يعتمدون على الغش، إضافةً إلى أن بعض طلاب الثانوية يتواجدون في مدارسهم لتضييع الوقت لا أكثر ولا أقل، إلا أن ذلك لا يمنع أن نشيد ببعض الطلبة في تركيزهم العلمي مع المدرسين وتفاعلهم واهتمامهم رغم أن نسبتهم قليلة مقارنةً بالغالبية العظمى!, كما أشارت الأستاذة وداد أن غياب الإدراك لأهمية المرحلة يتسبب في عدم تقدير بعض الطلاب للمعلمين والمعلمات، وينظر للمعلم نظرة سلبية، رغم أن المعلم لا يحبطه أكثر من تدني مستوى طلابه وعدم اهتمامهم بالمواد الدراسية ولا بتحصيلهم العلمي، والمعلم في الغالب يتوجه إلى أولياء الأمور الذين لا يبدي بعضهم أي تفاعل تجاه أبنائه..وفي ختام حديثها وجهت معلمة اللغة نصيحة للطلاب بالابتعاد عن الغش (فمن غشنا فليس منا)، وبقدر ما تبذل من جهد بقدر ما تحصد من إنجاز، فلكل مجتهد نصيب. نقطة تحول الطالبة خديجة عبد الله – طالبة في الصف الثالث الثانوي قالت: إنها تعتبر المحلة الوزارية نقطة تحول في حياتها، وتؤكد أن استغلال الوقت هو الحل في تحقيق النجاح ،وهو ما تقوم به حالياً في هذا العام نظراً لإدراكها أهمية المرحلة التي تجتازها,وتضيف .. إن الأسرة لها دور كبير في الأمر، فهي تحرص كل الحرص على توفير جميع الوسائل، وتهيئ لي الأجواء المناسبة لاجتياز الصعاب إن وجدت. هموم وطموحات وتشير خديجة إلى أنها تحمل هم الدين على عاتقها، بغض النظر عن المعدل الذي قد تحصل عليه إلا ترغب في خدمة دينها من خلال التخصص الذي تسعى إلى الالتحاق به، إضافةً إلى طموحاتها في مجالات الإلقاء والتأليف، كل ذلك يدفعه إيمانها بالله سبحانه وتعالى. شيء مرعب وصفت المرحلة الثانوية ب (الشيء المرعب) .. إنها الطالبة لينا أحمد في ذات المستوى الدراسي بسبب كون المرحلة قادرة على تحديد المستقبل، وهي أهم مرحلة في حياة الطالب، بالإضافة إلى أنها مرحلة مختلفة تماماً عن بقية المراحل الدراسية الأخرى من حيث الاهتمام والتركيز. طاقة للمذاكرة الحالة النفسية التي تمر بها لينا هذا العام تعتبرها طاقة إضافية للمذاكرة والاجتهاد، تؤثر فيها بشكل إيجابي، كونها طالبة مجتهدة تسعى للتميز، وتمتلك لينا طموحات عالية يصل أحدها إلى رغبتها في الحصول على معدل 99 % في نتيجة امتحانات المرحلة الثانوية. خوف وعلو الهمة “عام كبقية الأعوام “ هكذا اختصرت الطالبة قوت القلوب الشيباني – طالبة في الصف الثالث الثانوي أيضاً - العام الختامي للمحلة الثانوية، غير أنها استدركت حديثها بالقول: لكنه يتميز باعتباره العام الذي من خلاله نستخلص تخصصاتنا المستقبلية.. وأضافت قوت القلوب: إنها عندما تسمع ممن هم أكبر منها سناً عن هذه المرحلة وعن نظرتهم تجاهها فإنها ( تخاف) أكثر، غير أن همتها تعلو كثيراً وتكبر نحو تحقيق النجاح. اعتراف بالتقصير وتقول: الجو مهيأ جداً من قبل الأسرة، وإذا ما وجد إهمال في بعض الأحيان ، فإنما يكون ناتج عن كسل وليس لأسباب أخرى، والتقصير وارد، وتطمح قوت القلوب لمعدل متميز يساعدها على اختيار التخصص الذي تحلم به. مرحلة التوتر الطالبة بغداد أحمد تعتبر المحلة الثانوية مرحلة هامة جداً ومختلفة عن بقية الأعوام الماضية، مشيرةً إلى أنها مرحلة مشحونة بالتوتر والقلق، وتسبب حالة استنفار في الأسرة وفي معاملة الأهل واهتمامهم، بحيث تجعلهم يعملون على توفير كل الاحتياجات المعنوية قبل المادية. وتشير بغداد إلى أن أهم ما يعاني منه الطالب في هذه المرحلة هو القلق اللامحدود والتسويف للواجبات والمذاكرة، والتأخر عن الدوام المدرسي، وقلة احترام الطالب لمعلمه، وبعض الظلم الذي قد يقع على الطالب أثناء التصحيح، والاهتمام المبالغ فيه من أولياء الأمور، واعتماد الطالب على الغش وإهدار الوقت أمام التلفاز أحياناً. اتجاهات حياتية الأخصائية والباحثة النفسية في مركز الإرشاد والبحوث النفسية بجامعة تعز الأستاذة أحلام جزام الحمادي تؤكد أن أهمية مرحلة التعليم تكمن في تشكيل شخصية الطلبة وتزويدهم بمنظومات من المهارات والمعارف والخبرات التي تنمي وتطور اتجاهاتهم الحياتية خاصةً الدراسية والمهنية. وأضافت: إننا كثيراً ما نجد الطلاب يختلفون فيما بينهم في طرق الاستجابة لهذه المرحلة، ولعل من ينظر بعين العقل في خصائص الطلبة في المرحلة الثانوية يجد أنهم ينتمون إلى إحدى الفئات التالية: الفئة الأولى: النظرة السوداوية وهم فئة من الطلاب الذي يحبطون أنفسهم بأنفسهم وينظرون بنظرة سوداوية وتشاؤمية لحاضرهم ومستقبلهم، وهذا نتاج لاعتقادهم بأفكار لا عقلانية ك (النجاح حظ يا نصيب، سأغش في الاختبار، برشوم ينفعك ولا عقل يخدعك).. فهذه الأفكار وغيرها الكثير على شاكلتها قد لا يعي الطلاب أثرها ودورها في التأثير على شخصيتهم وسلوكياتهم؛ فهي تمتلك من القوة ما يسلبنا الإرادة والحماس وتجعلنا منغمرين ويائسين أمامها، وتطبع فكرنا وسلوكنا باللامبالاة وتفقدنا تدريجياً معنى العلم وقيمته، ويمتد فقدان هذا المعنى ليصل إلى الحياة برمتها..كما تنعكس مثل هذه الأفكار السوداوية على سلوكياتنا فتظهر جلية في الهروب والتأخير عن الدوام المدرسي، والتسويف والمماطلة في المذاكرة، وأداء الواجبات، وقلة احترام المعلم والزملاء. الفئة الثانية: الغارقون في مشاعرهم وتضيف الأستاذة والأخصائية أحلام: فئة الغارقين في مشاعرهم والمتمثلون في الفئات التي تسيطر عليهم هالة الثانوية العامة، فيغرقون بمشاعر القلق والخوف من هذه المرحلة وتبعاتها، ويفقدون اتزانهم وتوافقهم ليس فقط في المجال الدراسي، بل في مجالاتهم الحياتية عامةً، فيرهقون قواهم ويثقلون على كواهلهم مما يفرضونه على أنفسهم من التزامات ذاتية وأداء صارم في الاستذكار، ومما يزيد الأمور سوءاً أنهم قد تتعثر خطاهم في بداية أو منتصف الطريق فيعلقون أسباب ذلك بأنه خطؤهم فقط، ويغدون بفكرهم السلبي بأنهم لم يفلحوا في اجتياز هذه المرحلة رغم أنهم يجهدون أنفسهم في الاستذكار بطريقة غير مخططة ومنظمة؟ الفئة الثالثة: المستعدون وعلى النقيض من الفئتين السابقين تجد الأستاذة أحلام أولئك الطلبة الذين أجادوا معرفة أنفسهم وما يريدون تحقيقه في هذه الحياة جيداً قبل الدخول في هذه المرحلة، فحددوا هدفهم ورسموا مساراتهم وخطواتهم والتي تصل تدريجياً إلى تحقيق الأهداف المنشودة، وهؤلاء الأفراد يملكون من الإرادة والتحدي ما يجعلهم يتحملون الضغوطات والإحباطات المختلفة التي قد يواجهونها في طريقهم الدراسي بغية اجتيازها والتغلب عليها. الأحلام قليل هم من يصنعون من هذه الأحلام أهدافاً تكون لهم بمثابة منار يهتدون بها في مسارات حياتهم ويكابدون عناء الطريق ومشقات الحياة من أجل تحقيقها ولذا نجد مثل هؤلاء يحولون ما كان بالأمس أحلاماً إلى واقع ملموس في حاضرهم. وهم بالفعل من يحتاجهم الوطن الآن في واقعه المؤسف الذي يعاني منه اليوم، حيث إن الطريق الوحيد لصناعة مستقبل مشرق وأفضل لليمن هو الاهتمام بالتعليم والانتظام على مقاعد التدريس وليس بهجرها، تحت ضغوط سياسية ضيقة لا تفيد الوطن، فلكل رأيه السياسي وليكن التعليم بمنأى عن صراعات لا تغني ولا تسمن من (جهل).