«الشهداء..» قناديل فجرنا الجديد.. وعصارة نضالنا الممتد.. «ضحوا» من أجل إيجاد وطن مثالي خالٍ من التشوهات.. مازالت دماؤهم الزكية تُحرك فينا روح «الرفض والثورة».. والانتخابات المقبلة ليست خذلاناً لهم، بل امتداد طبيعي لنضالاتهم.. يدعي «المرجفون..» أنهم أوصياء على دمائهم.. ويتخذون من ذلك ذريعة تماماً ك «قميص عثمان» ..!؟ كان ومازال «قميص عثمان..» الذريعة حدث قاصم غيّر مسارنا الحضاري صوب الفردية والاستبداد المُطلق.. وحولنا إلى رعاع «نسمع ونطيع ونصبر..» دون أدنى إجادة مُثلى لمعترك التغيير..وحين صار بإمكاننا أن نُلغي تلك النظرة القاصرة من حياتنا وإلى الأبد.. أطل هؤلاء المرجفون ليعيدونا إلى ذات الانتكاسة ومن بوابة أوسع وأشمل، وكأن «فتق» المغيرة بن شعبه قدرٌ لن ننفك منه. آيل للسقوط يعمل هؤلاء المرضى على استدراج ذوي الشهداء والجرحى إلى مربع «الثورة المضادة» يبنون حاجزاً فولاذياً بينهم والجماهير..ينفثون سمومهم وأراجيفهم المنمقة بلغة المكر والخديعة.. وتسييس الوقائع.. يقولون لهم «باعوكم بعرض من الدنيا قليل.. سيتقاسمون مع القتلة المناصب والامتيازات.. الانتخابات خيانة ومن سيذهب إليها شريك في القتل..» إلى ما هنالك من المقولات العاطفية الإنشائية التي لا معنى لها في الحقيقة، ولا تصمد أمام أية محاججة عقلانية. نحن لا ننكر أن بعض تلك الأراجيف الهشة حق ولكن «أريد بها باطل» والبداية الصحيحة مهمة.. هذا ما يجب أن يدركه أولياء الدم قبل غيرهم.. والانتخابات كخيار لا تلغي ذلك الحق وأي حق بتاتاً، بل هي تكريس لبناء دولة مدنية يسودها القانون والقضاء العادل، وطالما وجد ذلك في إطار مؤسسي «غير مُخترق» استطعنا أن نلج بوابة التغيير الجذري المُمنهج بفاعلية، لأننا في ظل مؤسسات مهترئة لن نستطيع أن نبني.. وما سنبنيه سيبقى آيلاً للسقوط لأن الأساس غير متين. «نقص محمود» «أفنان..» ابنة الشهيد قائد اليوسفي.. كان ومازال صوتها يأتي هادراً منذ اللحظة الأم لاندلاع ثورة الشباب السلمية، كانت منصة ساحة الحرية صافر سابقاً محطة فاصله في بروز دورها القيادي كمحفز مؤثر عمّ صداه الأرجاء.. لا أزال أتذكر إطلالتها البريئة الأولى قبل عام من الآن، كانت وهي الصغيرة ذات ال«14» ربيعاً تثير فينا الرجال شيئاً من «نقص محمود»، تجعلنا نُصغي صاغرين لتفاصيل خطاباتها الارتجالية المُلهبة للحماس.. فنملأ الدنيا هتافاً ونشيداً. على هامش تلك الذكرى.. التقيت «أفنان».. فاستشفيت من عقلها الكبير ما يرجح قناعاتي الرافضة للظلم والاستعلاء.. وما يدعم توجه الأغلبية في بناء يمن جديد بأقل التكاليف.. ليت أولئك الكبار الماشين عكس الاتجاه يستمعون إليها علّها وهي «ابنة أحد شهداء الثورة..وحفيدة بلقيس..» أن تفيقهم من توجساتهم المستوردة، وتخبطاتهم المفتعلة، ليدركوا أن هذا الوطن للجميع.. وأن كل شيء يهون لأجله. ب«1000» صوت عُمر «أفنان» القانوني يمنعها من الإدلاء بصوتها في الانتخابات المقبله، إلا أن صوتها الحقيقي ب«1000» صوت.. وهو الأعظم أثراً في حشد الناس وتحفيزهم للمشاركة الإيجابية.. وهو باعتقادي دور فريد واستثنائي سيسهم في حسم الموقف لصالح الإجماع الوطني.. كما أن أمها الصابرة وكل أقاربها سيشاركون في لملمة جراحات هذا الوطن..عبر «صناديق الاقتراع». من جانبها «رحمة» بنت الشهيد بشير الدبعي «16» عاماً.. تمنت أن سنها يسمح لها بالمشاركة.. كي تشعر أنها قدمت شيئاً لليمن..موضحة أن الواجب الثوري والوطني يحتم علينا الانتصار لدماء الشهداء والاقتصاص لهم بالتصويت للوطن وللثورة. حُزن ثقيل مازلنا جميعاً نتذكر مشهد الجمعة الحزين.. ذاك الفاجعة والحدث الاستثنائي الذي استحوذ على أحزاننا بفعل الصورة التي بثت التفاصيل بدون رتوش، وما زالت تتكرر على الدوام.. كُن ثلاث «تفاحة وزينب وياسمين» سطرن على ظهر «أول متر مربع لساحة الحرية والثورة..» أبهى لحظات التضحية والفداء.. كانت إحداهن «الشهيدة تفاحة العنتري» زوجة أبي وأمي الثانية، بفقدانها تجرعت أسرتي الصغيرة أكبر وأقسى الأحزان. خُيّل لي أن روح والدي «محمود الطيب» المولع بالثورة والثوار تستعد هي الأخرى للمغادرة.. بعد أن خيّمت عليه نوبات متتالية من حزن ثقيل.. وذكرى مؤرقة كادت تذهب بوضاءة وجهه.. وحين عجزت مواساتنا بالتخفيف عنه.. ذكّرناه ب«اليمن» فعاد صلباً قوياً كما هي عادته.. الصورة ذاتها تتكرر عند أختي إسراء «بنت الشهيدة».. وكلاهما «عضوان في اللجان الانتخابية المقبلة».. ويجزمان أن الانتخابات «حل لا بد منه» لتطويق كافة الأزمات والاختلالات.. ودونها حرب ضروس ستجعل الأحزان والمآتم في كل بيت.. وأن عدم المشاركة فيها خيانة لدماء الشهداء.. وأن العدالة الإلهية لن تدع القاتل إلا مقتولاً.. «وما ضاع حق وراءه مطالب». معارضة سلمية الثورة ليست فعلاً جنونياً أو فوضى خلاقة.. بل هي فكر نهضوي ومقاومة قيمية وأخلاقية.. ونتمنى من المعترضين على الانتخابات «كفكر وفكرة» أن يسعفونا بحلولهم الناجعة إن كان لديهم حلول بدلاً من التوهان في أحاديث جانبية مستفزة لا علاقة لها بالمشهد. أعجبني طرح شقيقة أحد الشهداء.. هي ليست راضية عن الانتخابات ولها عذرها.. لكنها في المقابل تجزم «ما فيش حل غير ذلك».. لن تشارك في الانتخابات ولن تمنع الآخرين من حق المشاركة.. وما نتمناه من «ثوارنا الجدد» أن يحذوا ذات التوجه.. والمعارضة السلمية حق لا يعترض عليه أحد.